ماذا نفعل؟ ننتخب؟ لا ننتخب؟

نور الدين الغيلوفي

1. أكثر عمل تعلّمه الشعب التونسي بعد هروب بن علي هو أن يمارس حقَّه في انتخاب من يريد. الآن، بعد انقلاب 25 جويلية 2021، اختلف الأمر. الانتخاب صار ملتبسا. السؤال لم يعد “ننتخب من؟”، بل صار هل ننتخب أم لا ننتخب؟

الانتخابات

2. كان تقدير صاحب السلطة، في أوّل الأمر، أن يعزف الناس عن الانتخابات الرئاسية كما عزفوا عن شقيقاتها الانتخابات السابقة التشريعية والمحليّة التي جاءت بها خريطة طريق سلطة 25 جويلية.
أراد صاحب السلطة أن يجريَ انتخابات شكليّة يفوز فيها بعهدة ثانية بلا أدنى جهد كما فاز رئيس النظام الجزائريّ وكما يفوز أيّ حاكم عربيّ لا يعنيه الشعب إلّا ديكورا انتخابيا يسوّق به صورته للعالم ويصدر باسمه المراسيم والقرارات. غير أنّ جدّيّة الترشّحات أربكته واضطرّته إلى انعراجة يبعد بها الخطر عن نفسه، فعمد إلى تصفية منافسيه باستعمال هيأة الانتخابات التي عيّنها لتكون خطّ دفاعه الأوّل في مثل هذه الظروف ولتنجز له مهمّة “تطهير” المشهد من الخصوم باستعمال جهازَي “الوظيفتين” الأمنية والقضائية. ما فعله الرجل بالدولة وبالشعب ليس هيّنًا ولا ينتظر بعده أن يعود إلى بيته كما يعود أيّ حاكم منتَخب انتهت عهدته وحلّ محلَّه غيرُهُ. لقد ذهب بعيدا في تعقيد الأمور على نفسه ولم يترك للرّجعة مسلكا.

3. لعلّه أخطأ التقدير بدعوته إلى الانتخابات.. وكان عليه أن يتدارك خطأه في حقّ نفسه. الناشطون السياسيون رأوا في دستور 2014 منفذا للتغيير فأرادوا الدخول منه عليه. كان تعدّد الترشحات صدمة له فانقلب على دعوته إلى انتخابات 6 أكتوبر 2024. وبدأت رحلة التنكيل بالمنافسين الذين اجتازوا مطبّات كثيرة جعلها في طريقهم لقطعها عليهم ولتيئيسهم.

4. اجتاز المنافسون كلّ الاختبارات وتعدّوا مختلِف العقبات وذلّلوا جميع التعقيدات التي ضربها عليهم، وجاؤوا إلى منافسته. جمعوا التزكيات وحقّقوا الشروط وسدّوا الذرائع. لقد دخلوا عليه من أبواب متفرقة إلّا أنّه وجد الحيل لإزاحتهم.
تخلّص، أوّلًا، من الذين فشلوا في جمع التزكيات المطلوبة.. هؤلاء كان أمرهم سهلا.
الذين جمعوا التزكيات واستوفوا الشروط طالبهم ببطاقة السوابق العدلية (بطاقة عدد 3) ومنع وزارة الداخلية من تمكينهم منها.. وتمكّن من إزاحتهم. ولمّا تظلّموا لم ينصفهم القضاء. فطعنوا في الحكم لدى المحكمة الإدارية التي حكمت لفائدتهم. غير أنّه أوعز إلى هيأة الانتخابات بأن تستخفّ بقرار المحكمة كما كان فعل هو سابقا عندما رفض تطبيق حكم المحكمة بإعادة القضاة الذين عزلهم إلى مجالسهم.

5. حال دون جميع المنافسين وترك اثنين فقط ظنّ أنّهما تحت سيطرته.
زهير المغزاوي، الذي قلنا، دائما، إنّه ليس أكثر من أرنب سباق مختار بعناية ليزيّن المحفل الانتخابيّ، طواعية، كما كان سلفه رئيس الاتحاد الديمقراطي الوحدوي أحمد الإينوبلي يفعل لتزيين انتخابات بن علي. غير أنّ المغزاوي عندما رأى عناد منافسين آخرين صدّق أنّه يمكن أن ينافس على كرسيّ الرئاسة فخرج عن النصّ المكتوب له، يخطب رافعا نبرة صوته مبشّرا بتونس أخرى ممكنه كما لو أنه تشي جيفارا يبعث من جديد. وما لبث أن عاد إلى مكانه من الحظيرة والتحف صمته واكتفى بإعادة نشر مداخلاته في برلمان 2019 الذي هلّل بالانقلاب عليه ورقص لغلقه بمدرّعة عسكرية.. وصارت صفحته على فيس بوك أشبه بقناة تلفزيونيّة في مناخ جنائزيّ تكتفي ببث القرآن أو النشيد الوطنيّ. ثمّ كان عليه أن يقطع صمته ليعود أكثر انضباطا لسكريبت الحملة.

6. بقي العياشي الزمال الذي فهمت السلطة أنه يمكن أن يكون فرس رهان جميع معارضي السلطة فأجهزت عليه. اعتقلته ولمّا أطلقت المحكمة سراحه اختطفته جهة أمنية من أمام السجن، وأهله ينتظرون خروجه، وهرّبته بعيدا ليُعلم بعد ذلك أنّه أُخذ إلى منطقة وادي مليز من ولاية جندوبة قريبا من الحدود الجزائرية. ولا يزال الزمال إلى حد الآن تحت ضغط مرتفع. وربما ينتهي به الأمر إلى أن يشتريَ حريته بانسحابه من السباق ليبقى معارضو الانقلاب بدون وجهة ويتخلّوا عن فرضية الاقتراع التي رأوا فيها آخر منفذ للخلاص.

7. ما العمل؟
ننتخبُ؟
ولماذا ننتخب؟
ألسنا بالانتخاب نطلب التغيير؟
هل يرى من أحد إمكانًا للتغيير بعد 25 جويلية؟
هل جاء الرجل بدبابته إلى البرلمان فأغلقه، وخاض مغامرته ومزّق الدستور وهدم المؤسسات وعبث بإرادة الناس وانتهك جميع تعاقداته وهدم الدولة باسم الدفاع عن الدولة، هل فعل كلّ ذلك ليترك السلطة لمن يأتي بعده فيحاسبه؟

8. يبدو أنّه، على طريقته،”لعبها صحّ”. ولأنّ كلّ مرافق الدولة باتت في يده فقد نجح في تدارك أمره وحسم المعركة لصالحه قبل خوضها. سيخوضها وقد أحاط بالناس اليأسُ وصار الإقبال على الانتخابات لا يصبّ في غير صالحه. وجاز له أن يقول أيّتها الأصوات انزلي حيث شئت فخراجك لي. لقد ضمن الفوز، ويحسن أن يتزيّن فوزُه بنسبة إقبال كبرى على الانتخابات تصبّ في فائدته.

9. لقد استحوذ على المرافق واستولى على موازين القوّة، وقتل الآمال في المهد. جرّف كلّ شيء. ولن تكون الأصوات إلّا ضمن ريعه. لأجل ذلك لا أرى معنى لذهاب الناس إلى الانتخاب. ولا فائدة ترجى من الإقبال على مراكز الاقتراع. إقبالهم سيراه بيعةً ويستعمله تفويضًا.

10. الدبابة قبل أن تغلق البرلمان صادرت أصوات الذين انتخبوا نواب الشعب. من نكّل بنواب الشعب المنتخَبين لن يسمح لناخبيهم بحرية يختارون فيها غيره. والذي يفشل في الإقناع بالخطاب ويعجز عن الإنجاز لا يملك غير العنف يراه أداته الفضلى لتستردّ به الدولة التي يبشّر بها هيبة لها أضاعتها انتخاباتٌ لولاها ما كان له هو أن يكون أو أن يسمع به من الناس أحد.
الطريق إلى التغيير بالانتخابات مقطوعة،
فلماذا نسلكها؟

Exit mobile version