تدوينات تونسية

كلّنا ماعز!

فتحي الشوك

عاصفة رمليّة هبّت على السّعودية منذ أيّام تسبّب فيها فلم هندي يسرد تجربة مأساوية واقعيّة تعرّض لها عامل هندي خلال أوائل التسعينيات بسبب نظام الكفيل المتخلّف الظّالم، الفلم كان بجودة فنّية عالية وحبكة ممتازة شدّت أغلب من شاهده لينتشر الفلم في كلّ أنحاء البسيطة ويكون موضوع السّاعة.

فيلم حياة الماعز
فيلم حياة الماعز

قد تكون فيه بعض المبالغات لدواع دراميّة، لكن قصّته هي إحدى القصص العديدة الّتي عاشها عمّال أجانب في بلد الكفيل الخليجي، فهل كانت ممارسات الكفيل الإجرامية فرديّة واستثنائية أم هي ظاهرة متفشّية ومنتشرة؟ وإذا كانت كذلك فما سبب ظهورها في بلد مهبط الوحي ومنبع رسالة المساواة الإنسانية؟

لا شكّ أنّ نظام الكفالة السّعودي بالرّغم من بعض التعديلات الّتي شهدها، به كثير من الظّلم ويسمح للمجرمين بممارسة إجرامهم في ظلّ غياب عدالة ناجزة وعدم استقلالية القضاء وصعوبة التقاضي، وغياب نزاهة مراكز الإبلاغ مع تفشّي الفساد والرّشاوي والمحسوبية والوساطات إلى جانب انتشار العنصريّة المقيتة.

سلوك المنتحل لصفة الكفيل، المريض المنحرف والإجرامي، ما هو إلّا أعراض لسادومازوخية مستفحلة يعاني منها مثله مثل الكثيرين ممّن يعيشون في مناخات القمع والاستبداد والاستعباد.

ففي مثل هذه المناخات تعمل المنظومة المستبدّة المتخلّفة على أن تخلق بيئة حاضنة لها، طيّعة تقودها كقطيع حيث تريد وتقتطع منها من حين لآخر كلّ ناشز أو متمرّد قد يشكّل خطرا على بقيّة القطيع، ففي النّهاية لا تحتاج إلّا لراع وعصا غليظة وكاهن يبارك وكفيل اجنبي يحمي ويساند.

الأنظمة القمعية الكليانية المتخلّفة المستبدّة تعمل على إنتاج مسوخ بشرية موتورة متوتّرة بلا عقل ولا حسّ تقاد بسلاسة كالدّواب لتُركب وتذبح حينما تسمن.

هي سلسلة من الظّلم، تجعل القويّ الغالب المتسلّط يمارسه على من هو أضعف منه ليفعل الأخير نفس الشيء مع الأقلّ منه درجة مادّيا ومعنويا.

منظومة فاسدة مفسدة تعتمد عل الجهل المقدّس، هشّة كبيت عنكبوت، تستأسد أمام المستضعفين وتستجدي الأقوياء لكي يحموا مؤخّرتها ويؤمّنوا لها البقاء!

فلم واحد فقط جعل من تسمّي نفسها بالعظمى ترتبك وترتعش وتستدعي ككلّ الأنظمة الشمولية القمعية، نظريّة المؤامرة والأعداء المتربّصين والتدخّل الخارجي وتلتجئ لاسطوانة السيّادة الوطنية المشروخة وتجنّد كلّ كهنة البلاط والسّحرة والمرتزقة للذّود عن حمى الوطن والدّين!

فلم واحد فقط جعل كلّ تلك الأموال التي أنفقتها لتلميع وجهها القبيح تذهب في مهبّ الرّيح.

مليارات الدّولارات أهدرت في ما يسمّى بالترفيه ولجلب لاعبين اشرفوا على التقاعد، في حين يموت أهل غزّة جوعا وعطشا وحرقا ويتحوّلون إلى أشلاء بأسلحة يساهمون بطريقة ما في تمويلها وفي حرب بشعة يدفعون لإطالتها حتّى تقضي على ما يعتبرونها خطرا وجوديا لهم ولكلّ الأنظمة المستبدّة المستبيحة لشعوبها ألا وهي المقاومة.

لن تجد كاهنا واحدا من كهنتهم يستهجن أو يدين ما تعرّض له ذلك العامل فذاك والعياذ باللّه قد يفتح أبواب جهنّم ويجعل البعض يتعرّض ولو تلميحا الى ظلم وليّ أمرهم، وهم في المقابل قد اطلقوا العنان لألسنتهم للتشكيك في المقاومة وتجريمها وبعضهم كفّرها وأخرجها من الملّة وآخرون حرّموا حتّى الترحّم على القائد إسماعيل هنية شهيد الأمّة!

من شاهد حياة الماعز أحسّ بمعاناة العامل المظلوم فقد مسّت معاناته وما يشعر به من قهر وظلم، ففي الحقيقة في صحارينا الممتدّة من الخليج إلى المحيط وحيث ساد الظّلم والقمع والاستبداد، كلّنا نعيش بدرجات متفاوتة حالة من الاستعباد ونحيا بطرق متشابهة تلك الحياة، حياة الماعز.

كلّنا ماعز، وأملنا في اللّه وفي المقاومة وفي الطّوفان.

د.محمّد فتحي الشوك

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock