أتركوهم يستريحون

أحمد الغيلوفي

رسالة الي أصدقائي

هم لا يستطيعون أبدا أن يشكلوا نمط خطاب وطريقة تفكير إلا عبر مفردات وتمثلات مُتفجَرة كالألغام يضعونها في أفواه وأذهان مريديهم فتفجر الفضاء العام. “الإسلام السياسي” و”التقدمية والرجعية” و”التنظيم العالمي” و”الاخوان” والربيع العبري…

“وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۖ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن ۖ قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ۖ قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ..”.

كان إبراهيم نبيا، وكان على الحنفية الأولى، وكان مؤمنا، ولكنه لم يستطع استيعاب قضية البعث. لقد كان يتحرك ويفكر ويتكلم ضمن ابستيمية دهرية، ولم يستطع تجاوزها إلا بمعجزة. هكذا لا يستطيع المرء أن يقفز فوق المفردات والمفاهيم والتمثلات ونمط الخطاب الذي شكل لعقله صلصاله الأول. اتركوهم يموتون، انتم لا تُحيُون الموتى.

الانقلاب

هم لا يستطيعون أبدا أن يشكلوا نمط خطاب وطريقة تفكير إلا عبر مفردات وتمثلات مُتفجَرة كالألغام يضعونها في أفواه وأذهان مريديهم فتفجر الفضاء العام. “الإسلام السياسي” و”التقدمية والرجعية” و”التنظيم العالمي” و”الاخوان” والربيع العبري… لا يستطيعون أبدا تصور أن هذه مفاهيم خالية من أي معنى أو مدلول، ولا يستطيعون الانتباه الي أنها نفس المفاهيم والتعويذات التي يستعملها الصهاينة والأنظمة الخليجية والعسكر المصري. تنتهي الحرب وتنتهي الانتخابات ويعودون لـ “الإسلام السياسي” -مُفردة ابتدعها برنار ليفيس، في الأصل هو ضابط استخبارات بريطاني-.. اتركوهم يستريحون، لماذا تناقشونهم وتردون عليهم وتحاورونهم؟ هل انتم تحيون الموتى؟

تموت الأفكار كما تموت الأجسام، ولا يحيي العظام إلا من أنشأها أول مرة: عندما تتعطل وظائف الجسم يعجز عن التفاعل مع المحيط فيموت الكائن. الموت يقع فيما وراء الخير والشر، انه من سنن الطبيعة حتى تتجدد. تموت أجسام قديمة لتولد أخرى جديدة، وكذلك شان الأفكار. لقد أتم هؤلاء سباقهم ورقصتهم نحو مشنقة 25. وانك لا تستطيع إسقاط انقلاب وبناء ديمقراطية بقوم ساندوا انقلابا أخرجهم من السلطة واحتقرهم، ومازالوا يعتقدون انهم الفرقة الناجية و”الطليعة” التقدمية. اتركوهم يستريحون، واتركوا الأجيال الجديدة تولد بدون أن تزعجها أطياف وسعالي وغيلان الماضي.

عندما كنا نقول قبل 2019 بان الثورة تمنحنا فرصة للنهوض، وان هذا النهوض لا تقوم به أقلية أو شخص أو حزب، وإنما كتلة تاريخية: شكل من الالتقاء التاريخي بين ضحايا ما يسمى “الدولة الوطنية” وعلى قاعدة التسليم بالديمقراطية والاحتكام للصندوق، قالوا “دستور بريمر” و”اش نعملوا بيها الديمقراطية”، وانتظروا الزعيم القائد والملهَم.. الى أن جاءهم فكانوا من أهل السّابقة وأول المؤمنين.

عندما قلنا بان هذا انقلاب وسوف يعود بنا الى عقود الى الوراء ولن يعطي أحدا ذرة من السلطة، جاءونا بنص لعبد الاله بلقزيز جعلوا منه إنجيل يوحنا الانقلاب، وهناك من كتب مقالات في “السيد الرئيس” في زعامته وكاريزمته وكيف هو من طبقة تشي غيفارا وكاسترو وعبد الناصر، والأدهى من هذا قدموا لأنفسهم ولنا وللامة العربية إهانة هي امر في إسقاط بغداد: باركوا دستورا كتبه فرد لشعب، وقالوا هو افضل من دستور شاركوا هم في كتابته.

عندما قمنا بمواجهة الانقلاب في أيامه الأولى عسى أن يتفطن منتحلو التقدمية والديمقراطية للخطر المُحدق بالجميع قالوا باننا عملاء للخارج ونتقاضى أموالا من تركيا وقطر، وبطفولية كبيرة عششوا في قنوات صهيونية يبشرون بتصحيح المسار ويخوّنون مخالفيهم وينتظرون “الحكومة السياسية”.

عندما قُبض على عدد من المناضلين الذين رفضوا الانقلاب قلنا هذا ظلم بواح وكذب صراح وانبروا هم يجلدون المظلومين في نفس القنوات الصهيونية ويتهمون السجناء ويخونونهم ويختلقون قصصا وأكاذيب. ماذا تفعل لقوم تحيّل عليهم قايد السبسي في “وثيقة قرطاج” وتحيّلت عليهم الاستخبارات المصرية والإماراتية في 25 جويلية؟ ماذا تفعل لقوم لا يعرفون شكل السلطة التي ينتجها الانقلاب ويعتقدون أن هناك انقلاب “فاعل خير” يتقاسم الحكم مع عابري السبيل؟ ماذا تفعل لقوم يصفون عشرية، كان لهم فيها نواب ووزراء داخل دولة لم تعترف بهم يوما في السابق، بالعشرية السوداء؟

لاشي غير أن نتركهم يستريحون وان نساعدهم في ذلك بعدم ذكرهم.

Exit mobile version