فتحي الشوك
ما الّذي يحدث حينما يضع أحدنا مؤخّرته على كرسي السلطة؟
أكيد لم يحصل أن تحوّل هذا الكرسي الى كرسي اعتراف ليسرد لنا أحدهم تجربته الشخصية حتّى نفكّك ظاهرة مستفحلة منتشرة لاحظناها ونلاحظها في أمثلة من عصور غابرة وأخرى معاصرة وحاضرة أفرزها موروث طابعه الاستبداد والتسلّط، ونحتاج لتدخّل علماء الاجتماع والأنثروبولوجيا والفيزياء والكيمياء والفيزيولوجيا لكشف بعض أسرار الظاهرة المثيرة المؤثّرة والخطيرة الّتي تمسّ الجالسين على الكراسي والمحيطين بهم.
نلاحظ جملة من التغييرات النفسية والعقلية والفنومولوجية الّتي تبدأ في التمظهر بمجرّد الجلوس على هذا الكرسي السّاحر العجيب، تكون حادّة وبارزة خصوصا لدى من لم يتخيّل يوما أن يجلس عليه ووجد نفسه صدفة عبر انتخاب أو انقلاب يتحكّم في البلاد والعباد، وهي أقلّ حدّة عند من هيّئوا لذلك كأولياء العهد مثلا عبر تدريب مؤخّراتهم الكريمة حتّى تتعوّد الجلوس عليه دون أضرار جانبية كبيرة.
هي متلازمة الكرسي أو لعنة الكرسي تصيب من يجلس عليه ولا يعتبره لعنة ومحنة ومسمارا بحجم خازوق، أعراض المتلازمة مختلفة ومتنوّعة تبدأ في البروز منذ لحظة الجلوس وتزداد حدّة كلّما طالت مدّته.
يبدو أنّه منذ لحظة أن تلامس مؤخّرات أصحاب الفخامة والرّيادة كراسيها، يلتصق العصعص بمركز قاعدة الكرسي ويصبح مركز الثقل في عظام الحوض بحيث يمارس جاذبية قصوى تجعل من الدماغ يهاجر من أعلى الجمجمة الى اسفل عجُزه.
وهكذا يشوّش ادراك الجالس على كرسي السلطة أو العرش ويتشوّه ويعتقد أنّه تمدّد وامتدّ وعلا واستعلى ليحيط بمن يحكم.
بمرور الزمن “يتكرّس” من يجلس على هذا الكرسي الّذي يتحوّل لاشعوريا إلى وطن أو مملكة أو دولة حدودها قوائم الكرسي الّتي هي أطراف الحاكم العليا والسفلى بعد أن صار يمشي على أربعة وتقمّصه الكرسي!
أمّا المحكومين فهم أسفل منه يستظلّون بظلّه ويتنفّسون ضراطه ويحمدون اللّه عندما يتبوّل أو يتغوّط!
وغالبا ما يستمرّ هذا المتحوّل المتكرّس المتخشّب في إشباع نهمه اللّامتناهي حتّى يأتي نمل عارض ليأكل منسأته.
تلك هي متلازمة الكرسي عافاكم وعافانا اللّه منها.
د.محمّد فتحي الشوك.