فتحي الشوك
في ذكرى اغتيال الجمهورية واعتقال الحرّية والاختفاء القسري للديمقراطية واختطاف الوطن واحتكار الوطنية، في ذكرى مجزرة المؤسّسات وعجن السّلطات وعودة الاستبداد والسّلطوية، أطلّ القائد الفذّ بطلعته البهيّة وأطلق من فيهه قنابله الصّوتية.
تسعة عشر دقيقة خصّص ثلاثة منها ليطمئننا على أنّ سفينتنا الفضائية الّتي امتطيناها في رحلة علوّنا الشّاهق تشقّ طريقها بكلّ اقتدار، وما علينا سوى أن نشدّ أحزمتنا ونكبّل أيدينا ونكمّم أفواهنا ونغمض أعيننا ونستسلم للنّوم لنستمتع بأحلامنا الوردية، كلّ شيء على ما يرام، وما تمّ تحقيقه خلال ثلاثة سنوات بالتعويل على ذاته المصطفاة الطاهرة الزكية لم يتحقّق منذ العصور اللّوبية والبونية.
لا فائدة في أن نرى فهو يرينا ما يرى، نحن في الإتجاه الصحيح والمسار السّليم، لا تسمعوا ما يردّده الأشرار عن نسبة نموّ لم تتعد 0.2%، وعجز متصاعد في الميزان التجاري والقدرة الشرائية، وضنك العيش وانقطاع يومي لمياه الشرب وارتفاع في الاقتراض والمديونية.
لا تصدّقوا أنّ في عهد الجمهورية الجديدة القويّة السّعيدة هناك من تسلب حرّيته لأجل رأي أو تدوينة على صفحات التّواصل الاجتماعي والدّليل أنّ سيادته أصدر عفوا وتخفيفا للعقوبة شملت 1727 مواطنا اعتقلوا بسبب تدويناتهم فقد يكون هؤلاء من الكائنات الفضائية!
تأكّدوا فقط أنّ من يوضعوا وراء القضبان تهمهم جنائية حتّى ولو كانوا زعماء أحزاب أو جمعيات مدنية أو إعلاميين وناشطين في الميادين الحقوقية، أو بعضا ممّن أعربوا عن نيّتهم في الترشّح ومنافسته في الانتخابات الرّئاسية!
وهل يعقل هذا؟
هل يعقل أن تنافس من يعتقد أنّه مبعوث العناية الإلهية؟
هو كصالح في ثمود، صالح المؤمن النّبي المرسل المؤيّد المنصور حتما ولو كان في قلّة من قومه حيث الأغلبية هم من الكافرين الفاسدين الخائنين المتآمرين المرتمين في أحضان الصّهيونية والماسّونية.
صالح كان نبيّا مرسلا يدعو إلى ربّه، و”صالحنا” يدعو إلى ذاته، صالح عليه السّلام دعا قومه بالكلمة الطيّبة فاستجاب له من استجاب ثمّ ارتدّ أغلبهم فعالجهم بآيات ربّه ولم يحكم عليهم ولم يعاقبهم بل ربّه من عاقبهم فأخذتهم الصّيحة والرّجفة بعد عقرهم للنّاقة ومحاولة التسعة رهط تصفية صالح وأهله، أمّا من صنّف نفسه صالحا وصنّف شعبه ثمودا فهو يحكم ويعاقب ويمنح صكوك الغفران ويجعل المختلفين من لم يؤمنوا بقدراته، صعاليكا ولصوصا وجراثيما ومخمورين ومنافقين وكفّارا وفاسدين وخونة ومتآمرين ومتّهمين بالزندقة والصّهينة والمسينة.
لا سبيل لعودة لشرعية أسقطها الشّعب وهو الشّعب والشّعب هو، ولن يسلّم السّلطة إلّا لوطنيّ، وهو الوطن وهو الوطنيّة!
وهو الوحيد من يملك معايير توصيف الصّلاح والوطنيّة!
هي جمهورية جديدة أو جملكية تنضمّ الى خارطة الجملكيات العربية، إيالة ورعيّة وإعادة إنتاج لأشدّ أنواع الاحتلال والاستباحة الشاملة والاغتيال الكامل لمقوّمات الإنسانية، وعودة لأشدّ أنواع الاستبداد المركّب المتخلّف.
أو ليس هذا ما تطلبه جميع الأنظمة العربية الرجعية وتسنده قوى الاستكبار العالمي وتدعمه لوبيات الصّهيونية والماسّونية؟
هذا الصّالح المدّعي، بدون ناقة ولا آية جليّة ليس سوى حنجوري وظاهرة صوتية، يخفي فوق صاده عصا خفيّة!
د. محمّد فتحي الشوك