طه البعزاوي
جعل الله من الماء كل شيء حي، ولكن الإنسان باعراضه عن الهدي وجشعه وطمعه وأنايته أفسد في الأرض وسبب تغييرا مناخيا منذرا بالهلاك.
فتحول الماء أساس الحياة إلى قاتل رهيب وجودا وعدما، قاتل بفيضانات تغمر مساحات شاسعة من الأرض وبكميات مهولة كما يحصل في باكستان وبنڨلادش وغيرها.
وقاتل بانعدام الماء والجفاف الذي أتى على كثير من البلدان في إفريقيا وغيرها فأصبح منذرا بهجرات وتغيرات جغرافية وديمغرافية كبيرة.
وكما يتوقع كثير من الخبراء فإن الحروب القادمة حروب مائية بالأساس!
تونس حسبما لاحظناه السنوات الماضية، وما يحذر منه خبراء المناخ تعيش مشكلة مائية كبيرة والقادم أسوأ بكثير ومع ذلك لا نرى وعيا بالمشكلة ولا عملا جادا لتفاديها أو التخفيف من أضرارها.
يتقاتل الساسة ويتنافون في حرب إبديولوجية قذرة، وتراهم لا يتسابقون إلى “كعكة” السلطة من أجل الإصلاح أو تنفيذ مشاريع “النهوض” ومخططاته وإنما من أجل إقصاء المخالف الأيديولوجي والقضاء عليه!
وحال هؤلاء الحمقى كقراصنة يتقاتلون على ظهر مركب من أجل صندوق لا يعرفون ما بداخله والمركب متصدع ويغرق بهم جميعا دون أن ينتبهوا!
لست عالما بالمناخ ولا بالمياه ولا بالزراعة، ولكن ما تشاهده العين العادية المتحررة من المصلحة الذاتية يجعلنا نرفع الصوت عاليا بأننا على حافة الكارثة وأن الدولة غير مبالية ولا مهتمة ولا أثر لفعلها في الواقع رغم ما نسمعه هنا وهناك من حين لآخر.
ألاحظ ذلك كلما عدت لقريتي الفلاحية، تنافس شديد في استنزاف المائدة المائية، وتغيير ممنهج لطبيعة الأرض ونوع الزراعة والغراسة. وأنابيب السقي بأحجام مختلفة تتمدد في الحقول بشكل لم نشهده من قبل. وكذلك الاتجار في هذه المعدات.
الشراردة -بلدتي- أرض غابات الزيتون بامتياز، وقد زرع أغلبها آباؤنا وأجدادنا منذ بدايات القرن الماضي، وتبعد كل زيتونة عن أختها مسافة تتراوح بين 20 إلى 25 متر.
ثم تضررت هذه الغابات نسبيا بسبب الجفاف، فتنافس أهلنا منذ بداية الثمانينات في حفر الآبار السطحية، حتى اسنفذت المائدة السطحية وشحت الآبار وغارت مياهها، التي لم تستعمل في الري بحكمة.
ويتنافس الناس اليوم بشكل محموم في تونس بأسرها على حفر الآبار العميقة (صنداج) ثم زادوا فقصروا المسافات بين أشجار الزيتون فجعلوها في حدود 5 أمتار.
ثم استعملوا لوحات الطاقة الشمسية لاستخراج المياه الجوفية، وتظل المياه تتدفق من بزوغ الشمس إلى غروبها في كثير من الضيعات دون حكمة ولا خبرة ولا تقدير لحجم الكارثة المقبلة.
ويتعامل الناس كأن المائدة الجوفية لا تنفذ!.. وشعارهم “نفسي نفسي”! وكل صاحب بئر عميقة لا يفكر إلا في أرضه وفي محصول السنة وسعر الزيتون!
وليتهم استفادوا من الحديث النبوي الذي يحذر من الاسراف في استعمال الماء عند الوضوء ولو كان الوضوء من نهر جار!
لا أحد ينكر أن الفلاحة محتاجة للري ولكن ما يحدث الآن من تنافس وتفاخر مؤذن بالخراب وبكارثة لا يسلم منها أحد.
الأمر محتاج إلى وقفات جادة من أهل العلم للترشيد والتوجيه،
وتوعية الناس بحجم الكارثة المنتظرة عند أول منعطف! والبحث عن حلول بديلة.
ومحتاج من السلط التنفيذية مقاومة التبذير والعشوائية بعيدا عن الفساد والمحسوبية.
مشكل الماء عالمي وقد مس حتى الدول الأوروبية ذات الوفرة المائية مثل سويسرا وألمانيا، ولكن هذه البلدان لا تتساهل في التعامل مع المشكل وأخذ الأمور مأخذ الجد.
قبل أشهر سمعت في الراديو أن بعض المقاطعات الألمانية شرعت قوانين جديدة تمنع منعا باتا استعمال مياه الأنهار والبحيرات لسقي الحدائق الخاصة حتى لمن يجاورها ولا يحق لأحد أن يغرف منها ولو بالسطل فضلا عن استعمال المضخات، ومن يفعل يعرض نفسه لغرامات مالية ثقيلة جدا تصل 50 ألف يورو!!
فأين نحن من القوم؟!
قد بلغت والسلام!