سليم حكيمي
سِلْفي selfie الوزير، بعد سنوات الطّواف بين 7 نوفمبر و 25 جويلية، مع الحجر الاسود أبْينُ التّماهي وأوضحه مع مفهوم الاسلام السّياحي الجديد في السعودية.. فقد اظهر خَواء الرجل دينا وسياسة. فلم يكن يدرك الحد الادنى من شعيرة يتساوى فيها الناس، يحملون ثوبا كناية عن كفَن للانسان (فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) يعني لا رياء، فقد رأى النبيّ رجلا في المسجد يصلي مداعبا لحيته فقال: “لو خشع قلبه لخشعَت جوارحه”. أما عدم اكتراثه بموت 36 حاجا تونسيا عبرت عن مستواه السياسي. فأن لا تكترث يعني ان اخلاق الاستعراض لديك أكبر من روح المسؤولية، إذ تتطلب السياسة درجة عالية من عدم التمركز حول الذات. سببه سياسة بلا احزاب حقيقية مدارس سياسة تربي منتسبيها على معنى الشخصية العامة وقيمة المواطن صوتا وقيمة. فحتى تكون مهما لديه يجب ان يكون مهما لديك بالقدر نفسه. فكان الموت فيهم والبسمة فيه.
حرمة الكعبة من حرمة الناس الذين قَضُوا في مَضْيعة، ولست ادري اكرّمتك السّعودية لحسن التنظيم أم لمقتل الناس دون ان تطرف لك عين. وتبقى شهادتها ك “الكلب يشهّد في ذيلو” شبيه بالدكتوراه الفخرية التي يمنحها مُتعالم لجاهل. فهي بلد يحسن استقبال “نَيمار” و “رُونالدو” لا الحجيج. فقد اعتادت غلق باب التاشيرات السياحية لشهرين باقين من الحج، ولكنها فتحته لربح الاموال تحسبا لزيارة ثانية قد يقوم بها ترامب لو عاد بعد الرئاسيات، إذ انتهب في الأولى 580 مليار دولار وقد يطلب المزيد في الثانية. وكانت الشّركات السياحيّة ترسل أغرار الحجاّج للسفر تتلاقمهم ذئاب النهب (2500 ريال حوالي 175 دولار، من جدّة الى مكة، 80 كم فقط) فغنمت منهم، ثم اتهمتهم بالحج غير النظامي!!.
وزارة الشؤون الدينية (وزارة الاوقاف في الأغلب الأعمّ من العالم الاسلامي) التي لا نفهم جدوى مرافقة الوزير فيها للحجيج مع وفد من المال العام، انحصرت مهامها في تونس اللائكية على الحج والعمرة، وتشويه معمار المساجد، بتسقيف أفنيتها بذريعة حماية المصلين من الحر والقرّ، والسماح بفوضى عمران المآذن لطمس معالم الصومعة الحفصية لمحو الخصوصية والميسم والهوية، وحراسة تخلّف الخطاب الديني والتجسّس والتعسّس على الدعاة، واغلاق المساجد بذريعة الترميم (جامع القصبة عشر سنوات) وتمويل ندوات عن إرهاب وهمي.
زعم نظام 25 جويلية ادعاء الاصلاح الممتنع لسبيين: أولا، لا يمكن اصلاح الدولة دون اصلاح الفرد، وثانيا، اعتماد الادارة على حزب التجمع المنحطّ عريق الإفساد في الارض. فحين اندلعت الثورة كان نصيب “بوبكر الخزوري” وزير الشؤون الدينية الاكبر النصيب الاوفر من ملفات الفساد في مواسم الحج والعمرة. بدل وزارة، منبع قيم يقصُر عنها طمع الطَّامع، صارت وَهْدة تختفي فيها ذئاب الاغتناء من لهفة الناس الى البيت العتيق. بينما تفوز ماليزيا بجائزة احسن تنظيم للمرة 52 متتابعة، وتحافظ وزارة الاوقاف في تركيا على مؤشر صفر فساد لمدة 16 عاما بعد مجيئ حزب “العدالة والتنمية” للحكم سنة 2002.
في الزّمن الشُّعبوي لا يوجد وزير في مستوى منصب فالجامع المشترك بينهم هو (égalité dans la nullité). (المساواة في الفشل) والتعيين والعزل لا يعنيان سوى غياب فكرة الفريق في الأداء الحكومي، وهذا ما أنتج المسؤول (jetable) (للاستخدام مرة واحدة) وحينها لا يكون للسّياسة علاقة بالبناء والاعراف. فالوزراء مجرّد موظفين لتنفيذ الاوامر وليس لإلهام الناس أو خلق جوّ عام فيه تعبير عن الاحساس بالمسؤولية او الوطن أو الانتماء للديّن أو العروبة. وهذا ما جعل اقالته شبيهة بإقالة اي موظف في حين انه ليس مجرد مسؤول في جهاز اداري، بل مسؤول سياسي لا يمثل القانون بل يعبر عن روح الدولة ويجسّدها.
الحج ّأحد المشتركات بين المسلمين، والمشترك هو ما لا يمكن لأحد نسبُه لنفسه، ولكن بامكان كل فرد الحطّ من قدره. غير أن كل من فكّر في الحطّ من قيمة المشترك في الاسلام، انتهى مُسيئا الى نفسه. والعاقبة للظَّالمين… قال أبو العيناء: “كان عيسى بن فرخَان يتيه عليّ في ولايته الوزارة، فلما صُرف عن عمله رهِبَني، فلقيني فسلّم علي فاحْتفى. فقلت لغلامي من هذا ؟ قال أبو موسى، فدنوتُ منه وقلت: أعزك الله، والله قد كنت اقنع بايمانك دون بيانك وبلحظك دون لفظك فالحمد لله على ما آلت اليه حالك فلئن كانت أخطأَت فيك النّعمة فلقد اصابت فيك النقمة ولئن كانت الدنيا أبدت مقابحها بالاقبال عليك فلقد اظهرت محاسنها بالانصراف عنك، ولله المنّة إذ أغنانا عن الكذب عليك، ونزّهنا عن قول الزّور فيك، فقد والله أسأتَ حمل النّعم وما شكرتَ حقّ المُنعِم”.