العرب وغزّة والعالم

نور الدين الغيلوفي

1. أجبر طوفان الأقصى أغلب دول العالم على أن تأخذ مسافة من دولة الاحتلال.. وهي بذلك تحمي نفسها وتحافظ على مناعتها الأخلاقيّة واستقلال قرارها السياسيّ. ومن كان قراره بيده فقد عرف مواضع الخطر فتجنّبها مهما كانت العواقب ورغم اللوبيات.
وحدها الدول العربية شذّت عن قاعدة بدأت تفرضها المقاومة في غزّة على مختلِف دول العالم.

المقاومة

2. الدول العربية تبقي على دعمها للاحتلال صراحة أو ضمنًا لأنّ قرارها ليس بأيديها

وما تقوله دولة الاحتلال العبريّ عن المقاومة هو نفسه ما تقوله دول الاحتلال العربيّ عن معارضيها الذين يرون خلاف ما يرى الحكّام.
الحاكم في الدول الحرّة إذا شعر بأزمةٍ ردًّ الأمانة إلى الشعب صاحبِها في انتخابات حرّة مباشرة يختار فيها حكّاما له يقاسمهم المسؤولية. أمّا الحاكم العربيّ فلا يعرف أزمة ولا يعترف بها ولا يتحمّل مسؤولية. والأمانة أمانته يحملها وحده، فإن فشل فليس هو الذي فشل. لأنّ في الأنحاء خونةً ومتآمرين ولصوصًا متربّصين حالوا دون ترجمة عبقريته المدّعاة إلى أداء إعجازيّ. وحده الحاكم العربيّ معجِز ولا معجزات له. هذا إذا واتاه الخطاب، أمّا إذا لم يواته فقد أصيب الشعب فيه إصابتين.

3. الدول العربية لا تعني شيئا أكثر من عروش حكّام يعلمون جيّدا أنّ مصائرهم معقودة في مصير نتنياهو رئيس وزراء دولة العدوّ. منهم من يعيش على التظاهر الخطابيّ بعداوته ومنهم من يسعى إلى التطبيع معه. الحقيقة أنّه لا فرق بين الصنفين طالما اجتمعا على قمع الشعوب وممارسة الوصاية على الكافّة بدعوى الدفاع عن الدولة، والحال أنّ الدولة لا تعني في المجال العربيّ أكثر من ضيعة يأكل ثمرَها حاكمٌ، هو ناظرها، ثمنَ ولائه للدوائر الراعية لدولة الاحتلال. بهذا المعنى تكون الشعوب العربيّة جميعها محتلّة بطريقة ما. وهل يعني احتلالُ شعب أكثرَ من سلبه حريتَه وممارسة الوصاية عليه من حاكم كأنّ السماء أنزلت كتابا بحكمه وأذنت له بأن يفعل بالمحكومين ما يشاء.. ويمنعهم بمراسيمه من كلام.

4. الحكّام العرب، بلا استثناء، لا يريدون للمقاومة أن تنتصر لأنّ في انتصارها خطرا على عروشهم. وهذا ما يفسّر انحيازهم إلى جيش الاحتلال يلتقون قيادته.. فلقد كشف موقع “إكسيوس”، الأميركي، لقاء رئيس هيئة أركان “الجيش” الإسرائيلي، هرتسي هاليفي، بكبار الضباط العرب، في البحرين، “لبحث التعاون الأمني الإقليمي” في وقت عدوانه على غزّة والضفّة الغربية الفلسطينيتين.
هؤلاء يلتقون قادة جيش العدوّ ولكنّهم لا يلتقون المقاومة ويمنعون عنها أرضهم وسماءهم وماءهم.. ويتصدّون لكلّ مساعدة تأتي إلى سكّان غزّة حتى لا يغضب منهم عدوّ جعل من السكان دروعا بشرية وجسورا لانتقامه بالقتل حربا أو تجويعا وقد فشل عن منازلة المقاومة في ساحات الحرب.

5. المقاومة التي قهرت ضعفها وسلكت طريق المستحيل لتصنع انتصارها بإمكانياتها المحدودة تمثّل قدوة لمقاومي الاستبداد في الدول العربيّة التي حُكم عليها بأن تظلّ مستثناةً من الديمقراطيّة لتبقى مستثناة من كلّ تنمية وتقدّم. وكون المقاومة قدوةً للشعوب يجعل منها عدوّا لحكّام يستأسدون على شعوب كلّما طالب منها أحد بحريته رماه الحاكم بتهم من قبيل التآمر والخيانة وسلبه حريته وسحله في منابر دعايته السوداء.

6. المقاومة صديقة الشعوب وعدوّة للحكّام مهما تظاهر الحكّام بدعم قضية الشعب الفلسطينيّ. وفي انتصار المقاومة ما قد يفسد على هؤلاء الحكّام يقين انتصارهم على شعوب مسحوقة.
الشعوب الغربيّة بدأت تنتفض على دولها الداعمة لدولة العدوّ انتصارا لغزّة في لحظة صحو تاريخيّة.. ولعلّها بما تفعل تفكّ الخناق عن شعوب عربيّة ترى أشقّاء لها يُقتَّلون بكلّ بشاعة ولا تملك حتّى أن تذرف دموع حزنها عليهم.. لأنّ الدموع لا تخرج إلّا بإذن الحاكم الذي يتحكّم فيها.

Exit mobile version