لن يسقط الانقلاب قبل سقوط عقلية التنافي والاستئصال

الأمين البوعزيزي

ثمة حكاية نسيت أين قرأتها زمن طفولتي، تقول:
عاش قوم حالة جفاف أهلك الضرع والزرع فسألوا نبيهم “متى يرحمنا الله؛ تضرع لنا عنده”.
بعد يوم أو اثنين عاد من خلوته وأعلمهم بخبر لا يسر، “سيدوم القحط سبع سنوات تامات”.
فوجئ في اليوم التالي بتقاطرهم على بيته كل منهم محملا بكيس أو أكثر ويضعون أحمالهم بين يديه…

سألهم ما هذا الذي تصنعون؟
قالوا، هذا كل ما نملك نستأمنك عليه لتوزعه علينا بحكمتك في انتظار انقشاع سني القحط، أعجبه صنيعهم وشرع في تنفيذ مطلبهم.

لم يمر أسبوع إلا والسيول تروي أراضيهم بشكل لم يألفوه منذ عقود، كبّروا وهللوا وقصدوا نبيّهم يسألونه ما الذي جرى حتى تنزل دموع السماء مدرارا قبل أجال الوعد الإلهي؟!
أجابهم هل تعتقدون أنكم أرحم على بعضكم من رحمة خالقكم؟!

مغزى حكايتنا

كتبت تدوينة ألفت فيها الانتباه كون أغلب الصحفيين الذين فرمهم المرسوم 54 كانوا قد هللوا لوضع الاستثناء الذي فرض بقوة السلاح وفرم الدستور ومؤسساته،

مذكرا إياهم أن من يريد حماية حريته عليه أن يدافع عنها عبر حماية شركائه في الوطن وإن كانوا مختلفين عنه، فالوضع الطبيعي هو أن نكون مختلفين فقط مطلوب أن نتفق حول شروط وسقف تدبير اختلافنا.

(أغلب الأصوات الإعلامية التي يفرمها #المرسوم 54 هذه الأيام هللوا لفرم البرلمان والدستور؛ ورقصوا طربا ساعة أستبيح خصومهم، ووصموا المحذرين الأوائل الذين صرخوا “#إن الاستثناء لن يستثني أحدا”؛ سخروا منهم ورذلوهم وطعنوا في ذمتهم ووصموهم بالباراشوكات!!!
هل كان لابد الظلم من أن يكمل دورته ليستوعبوا الدرس؟!
طيب، إن كان لابد من تعميم الخراب فليكن… ألم يكن يسكركم ما كان يقوله مظفر النواب «هذه الأمة لا بد لها أن تأخذ درسا في التخريب»😴
الانقلاب يفترس صناعه ويحتقر مناشديه.
#للحفاظ على الحرية لابد من دفع ثمنها باهضا🤔).

لكن للأسف كثيرون ممن تضرروا بعد خراب البصرة رأوا في موقفي شماتة ساعة تساءلت هل كان لازما اكتمال دورة الظلم حتى نعي درس حماية حريتنا؟

التنافي والاستئصال

شوف سيدي خويا للا أختي:

لن يسقط المرسوم ولن يسقط الاستثناء ولن يسقط الانقلاب قبل أن تصنعوا ما فعله ضحايا القحط ببعضهم فرأوا العجب.

ما لم نمارس جميعنا نقدا ذاتيا عوض المكابرة فلن يسقط الاستثناء ولن يُرفع حبل المراسيم عن رقابنا.

لن يسقط الانقلاب قبل سقوط عقلية التنافي والاستئصال، لن يسقط الانقلاب قبل أن نسقط نهج التنافي ونجنح لخيار الصراع السياسي تحت سقف الديمقراطية (لن نطالبكم بالتباوس). الديمقراطية لم تقل عن نفسها كونها نهاية التاريخ ولا سدرة المنتهى بل نراها تؤكد دوما كونها تخرج المحتكمين إليها من مربع التنافي المدمر إلى مربع التعايش المعمر والصراع المثمر.

سادتي، هذا ليس درسا أخلاقيا (على عظمته) بل هو درس في شروط حفظ الوجود:
تأمين حريتك مشروط باعترافك بحق شركائك في الوطن في الحرية.
باهي واش نعملو بيها الحرية، احنا حاجتنا بالخبز؟!
الحرية تضمن لك الكرامة وألا تكون خروفا يعلفونه فيذبحونه.
الحكم باسم علوية الخبز أو الوطن لا يقل تسلطا عن الحكم باسم الاله.
السيادة والوطنية وشرع الله والاشتراكية تكمن في أن تعامل بكرامة وتكمن في أن تفتك كرامتك وأن يَرهبك الحاكم لا أن تَرهبه… غير ذلك أنت خروف بعععع بعععع.
إما أن تكون إنسان أو حيوان، لا توجد منطقة وسطى.

#الأمين

Exit mobile version