“أطفال طه حسين” بمعنى أطفال بورقيبة

أبو يعرب المرزوقي

تمهيد:
يمكن لأي قارئ عربي أن يسال أي تونسي ويشرح له “معنى أطفال بورقيبة” دون أن أريد المس بكرامتهم لأنهم ضحايا وضعيات اجتماعية بخلاف أطفال طه حسين.

طه حسين

لذلك اكتفي بالفرق المعلل لهذا النسب: فأطفال بورقيبة أبرياء مما وسموا به. لكن وسمي لأطفال طه حسين لأصحابه مسؤولية عن كونهم من المخلدين إلى الأرض والمرتزقة.
ذلك أن الصدف أحيانا تجعلني في علاقة عجيبة بالبعض منهم. أذكر أني لقيت المسؤول عن مؤمنون بلا حدود في عمان مآله معلوم. وبالذات بسبب ما حاوله من توريط لإسلاميي بلده ربما بأمر من مموله. وكنت قد لقيته سنة 2002 في برلين حيث كان طالبا.
ولعله نسي ذلك أو تساهى. فخلال الحديث عن الترجمة من الألمانية متصورا أني أترجم مثل الكثير بتوسط الترجمة الفرنسية فاراد التطاول دون أن يكون قد اطلع على النص المترجم ولم يكن يعلم أمرين:

ولم يكن يعلم أني أعرف أستاذته لأنه لم ينه رسالته حول القرآن. فاكتفيت بإعلامه بذلك وطلبت منه أن يسألها من أنا في ما يريد التطاول فيه. ومثله كثير من “الشرفاء” كانوا من عملاء المؤسسة.

وقد اضطر إلى الكلام في ما يماثل هذه الصدف التي تطلعني على بعض من شاركوا فيها وفي غيرها مما يشبهها وإن كانت بتمويل بقايا القذافي وبتوسط بعض جواري تونس ولم أكن خالي الذهن بمن كان يخدع من فيها بما سمعته من واصفي مشاركتهم فيها.

فمن هم أطفال طه حسين؟

1. كلما حاولت فهم المنطق الذي يخضع له “اجتهاد” التحديث في بلاد العرب وثمراته خلال القرنين الـ19 والـ20 وربع القرن الـ21 بالمقارنة مع ثمرات من بدأوا معهم نفس التجربة من أمم الشرق هالني الفشل الذريع الذي يقبل الوصف بالإدبار التام والنكوص العجيب للمزيد من التخلف والتحلل والتبعية.

2. فهبنا نظرنا للأمر بصورة اجتماعية اعتمادا على المجموعات الخمس التي تتألف منها مناطق الجماعة التي تنتسب إلى جماعة الدول (=المحميات) العربية دون اعتبار مراحل دخولها لهذا المسار التحديث أو باعتبارها فإن النتيجة واحدة: كلها غرقت في التحديث المقلوب: من وهم إمكان الغاية باستيراد النهاية.

3. وسأسمح لنفسي بوصف هذا الوهم بمنطق ما يسمى بثورة محمد علي وما تلا غزو نابليون لمصر والانبهار بثقافة فرنسا وبأخلاق الباشوات أو بسذاجة طه حسين التي تتصور تغريب ثقافة مصر علاجا سويا يكفي فيه استيراد نمط العيش لتحقيق شروط النهوض دون شروطه الفعلية التي لا يغني عنها الاستيراد الغفل.

4. لذلك فقد صرت اعتبر طه حسين رمز هذا الوهم الذي جعله يتصور نفسه ديكارتيا حتى سمح لنفسه بزرع جرثومتي احتقار الذات والتراث دون فهم يتجاوز وهمه حول ديكارتيته الدالة على سطحية قراءة ديكارت حتى صار يهزأ من ابن خلدون الذي هو الوحيد الذي يمكن اعتباره ديكارتيا بل ومتجاوز لديكارت في مجاله.

5. طبعا سيقول من يغفل عن ثمرات رؤية طه حسين لاستراتيجية النهوض في علاقة بالنقد التاريخي للحضارات في مآل الفكر في بلاد العرب اعني ما يحصل حاليا في نخب التحديث والنقد اعني ما يمثله مفكرو مؤسستي مؤمنون بلا حدود وتناسخها في “تكوين” من مآل صار فيه القمني عالما والجماعة الذين دشنوا تكوين.

6. ولن استغرب من الاعتراض علي بالقول: ما علاقة هؤلاء بطه حسين وهو الأديب الكبير. طبعا لست أهلا للحكم في رؤية طه حسين الأدبية وهي ليست من مشاغلي ولا من اختصاصي. العلاقة هي برؤيته للتحديث والنهوض وتوهم تغريب مصر كافيا لتحقيق ما فهم من الديكارتية التي تنتسب إلى ما استطيع الحكم فيه.

7. ديكارت الذي ينطلق منه طه حسين ليس ديكارت في بداية الحداثة الغربية بل هو ديكارت بعد أن صارت الحداثة التي أسسها أيديولوجيا وصف الاستعمار الغربي “مهمة تحضيرية” لشعوب الحضارات التي يعتبرها المتمركز على حضارة الغرب بوصفها حضارة الإنسانية وما عداها ثقافة من لم يصلوا إلى منزلة الإنسان.

8. لذلك فالنتيجة في ديكارت طه حسين انتج عكس نتيجة ديكارت الذي يجهله طه حسين: فديكارت استعمل التشكيك في المدارك للوصول إلى حل الضمانة الإلهية لشروط إمكان العلم بحيث كان شعاره أن إثبات وجود الله شرط إثبات وضمانته لوجود العالم وعلم الإنسان شرط كون الإنسان مالك الطبيعة وسيادته عليها.

9. وذلك يعني أن ديكارت بالتشكيك ونقده خرج بنتيجة الشك المنهجي لإثبات شروط استعمار الإنسان في الأرض والاستخلاف فيها (مالك الطبيعة وسيدها) بفضل الضمانة الإلهية لوجود الحقيقة والقدرة على علمها وكلاهما مشروطة بالإيمان بضمانة إلهية اعني جوهر ما يعتمده القرآن لإثبات الحاجة إلى الدين.

10. لكن ديكارت الذي ينطلق منه طه حسين هو صورته في ذهن التابع الخاضع للانبهار بالثقافة الفرنسية خاصة والغربية عامة أي الثقافة التي وضعت أيديولوجية تبرير الاستعمار بالمهمة التحضيرية لم يبلغوا منزلة الإنسان العاقل: فلنذكر: 1- مع من اعد رسالته حول ابن خلدون. 2- وعلاقة المغلوب بتقليد الغالب.

11. ديكارت لم ينقد المسيحية حتى وإن وعد بالمحافظة بأخلاقه التقليدية في انتظار الوصول إلى تصور للأخلاق الاسمى منها بعد تحقيق شروط ما توصل إليه في تأملاته التي أسست بعدي الوجود على الإيمان بضمانة إلهية (جوهر الدين) لوجود الحقيقة ولقدرة الإنسان على علمها ليستعمر الأرض ويستخلف فيها.

12. لو لم يكن طه حسين ضحية عقدة المغلوب وعقدة دارس علم الاجتماع في رؤية أستاذه في أطروحته حول ابن خلدون لكان يحق له أن يتكلم على الديكارتية وان يدعيها. هو إذن أب كل ما نراه في جل تحديثيي العرب وخاصة أدعياء النقد الديني من الأميين في “تكوين” ورموز “إصلاح الإسلام” ممن لا يؤمنون به.

13. فهؤلاء السكرى بالزبيبة من “فلاسفة عقاب الزمان” يتوهون انفسهم اعمق علم وفهم من ديكارت ولايبنتس وباسكال وكانط حديث ومن أرسطو وأفلاطون وأفلوطين وكل ذي عقل في العلاقة الوطيدة بين النظر والعقد في كل علم وبين العمل والشرع في كل عمل. لكن حداثيينا لا علم لهم ولا عمل هم مرتزقة الاستبداد.

14. لذلك فهم مليشيات القلم لدى مؤمنون (بالنقود) بلا حدود التي انهارت بعد فضيحتها في الأردن وتناسخها في “تكوين” التي ستنهار في مصر. أولاهما سبقت الدين الإبراهيمي الجديد والثانية تلته وكلتاهما من أدوات مديح التطبيع والخضوع النهائي للتبعية والتحديث القشري بالتوريد وهذا التقليد البليد.

15. وحتى لا يظن أن ما يعنيني من المشكل هو الوجه السياسي أي الصراع بين أدعياء التحديث وأدعياء التأصيل من النخب الخادمة لمشروعي النهوض أي المعركة بين اليسار والإخوان. فلست إخوانيا ولا يساريا ولا من المهتمين بهذه المعركة دون أن ابخسها حقها أو أقلل من أهميتها: فهي مفعول جانبي للدواء.

16. ما اهتم به هو الدواء: فالرؤية التي تجعل المعركة كاريكاتور من البحث عن شروط النهوض سواء: 1- بظن التأصيل ممكنا من دون إبداع شروط تحديثه. 2- أو ظن التحديث ممكنا من دون إحياء شروط تأصيله. وهذان هما الكاريكاتوران اللذان صار مآل تخريف طه حسين حول ديكارت بعقلية المغلوب بأيديولوجية أستاذه.

17 ولولا وجود من قاوم خيارات طه حسين في النظر والعقد ومن قاوم خياراته في العمل والشرع لفقدت الأمل في نهاية ظاهرة “تكوين” كما انتهت ظاهرة مؤمنون (بالنقود) بلا حدود: عندما يتم اكتشاف طبيعتها. وقد مرت ظاهرة طه حسين بمرحلتين: ما تلا هزيمة 67 وما تلا ثورة الربيع وانتصار الطوفان العالمي.

تكوين

18. هزيمة 67 أنتجت الدعاة ونقاد الدين من خريجي أقسام العربية في المغرب والمشرق وهما من نفس الطبيعة لأنهما كليهما من تجار الدين إما بمدحه أو بذمه ولا علاقة لهما بالعلم فضلا عن العلاقة بالإيمان به إيجابا أو سلبا: ذلك أن من ينفي الدين متدين سلبا لأن مؤله للنظام الطبيعي وهو معنى الإلحاد.

19. لو كان طه حسين فاهما لديكارت أي متخلصا من عقد المغلوب ومصدقا صورته بعد أن صارت الحداثة أيديولوجيا مهمة التحضير لحضارة تتصور نفسها الممثل الوحيد للإنسان بالقياس على المستعمرين الذين ما زالوا دون الإنسانية -أرواح الشعوب الهيجلية- لما خبط خبط عشواء فتوهم انه مؤرخ وفيلسوف أديان.

20. لما اطلعت على أدبيات حامد أبي زيد (مصر) اركون (الجزائر) والشرفي (تونس) ورأيت سطحية فهمهم للأديان عامة وللإسلام خاصة سميتهم “أطفال طه حسين” وهي مقارنة بمفهوم “أطفال بورقيبة” في تونس أي كل الأطفال مجهولي الأهل من جنس أطفال الشارع في مصر حول مرقد الحسين.

21. وقد حاولت أن افهم المنطق الذي يقرأ به ناصر حامد أبي زيد القرآن بإخضاعه للنقد العقلاني بعرضه على الواقع التاريخي اضطررت لوضع مفهوم وثني المفكرين العرب الموروث عن هيجل الذي وضع خرافة: العقل واقعي والواقع عقلي.

22. فالمعادلة بين مجهولين لا ينتج عنهما معلوم: نحن نجهل ما العقل ونجهل ما الواقع فكيف نعلم المعادلة بينهما بحيث نعرف كل منهما بالثاني. لذلك فحامد أبي زيد لا يتلكم على الواقع بل على صورته عند ماركس. وليس له عقل لأن العقل عنده هو عقل ماركس. وهو من ثم دون ابن رشد فهما بما لا يتناهى.

23. ويمكن أن أعمم ما قلته عن أبي زيد ليشمل كل من ذكرت من نقاد الدين من المختصين في العربية: فشلوا في اختصاصهم الذي لم يثروه بشيء فحوموا على ما يمكن أن ينالوا به حظوة ونجومية عند الاسلاموفوبيين لأن النياشين العلمية تستمد منهم مثل السياسية.

24. فمن يعتقد انه يقاضي القرآن بأرخنته لا يؤمن به لأن أول صفة للوحي انه فوق التاريخ. وإذن فالقمني اصدق منهم رغم أميته لما قال من يؤمن بأن دينه صالح لكل زمان ومكان إرهابي حتما. هم إذن يعتقدون مثل الاسلاموفوبيين أن من يؤمن بالقرآن إرهابي لكن بتقية. ومشغلوهم صرحاء: الإسلامي إرهابي.

25. ولا معنى للمقابلة بين إسلامي ومسلم. فهذا الفرق من ثمرات التقية. ذلك أن الأشعري يسمي المسلمين كلهم إسلاميين ومثله عبد الرحمن بدوي. لكن التقية جعلت الاسلاوفوبيين الجبناء يميزون بينهما تقية وليس حقيقة. ولست معنيا بذلك بل بجهلهم وضحالة فهمهم للحداثة والدين معا: مليشيات قلم فحسب.

Exit mobile version