صالح التيزاوي
تعود دولة جنوب إفريقيا للمرّة الثالثة إلى محكمة العدل الدولية لتطلب مزيدا من التّدابير الإحترازيّة لمنع جرائم إبادة جماعية جديدة، لاحت نذرها في “رفح”. يقول الفريق القانوني لدولة جنوب إفريقيا إنّ “رفح” هي الخطوة الأخيرة لإبادة غزّة بالكامل.
تأمل دولة جنوب إفريقيا هذه المرّة بأن تصدر المحكمة أمرا بوقف فوري لإطلاق النْار وانسحاب فوري لقوات الإحتلال من رفح لأنّ نيّة ارتكاب جريمة إبادة جماعيْة، باتت واضحة. يتساءل الفريق القانوني: أين يذهب سكّان رفح؟ وهل يوجد مكان آمن ليلجؤوا إليه؟ سكّان غزّة ومنذ إعلان الحرب عليهم، يهجّرون من مكان غير آمن إلى آخر غير آمن تحت القصف، أليست نيّة ارتكاب جرائم إبادة واضحة بما يكفي؟
تتزامن عودة دولة جنوب إفريقيا هذه المرّة إلى محكمة العدل الدّوليّة مع ذكرى النّكبة (15 مايو 1948)، بما تعنيه من مآس لشعب قضّي 76 عاما تحت الإحتلال من نزوح إلى نزوح ومن تهجير إلى تهجير، ستّة وسبعون عاما من الأبارتيد ومن القتل ومن مصادرة الأراضي ومن الإستيطان وتهويد المقدّسات، وبدل الإعتراف للشّعب الفلسطيني بحقْه في تقرير مصيره وإقامة دولته وإنهاء الإحتلال، تأتي حرب الإبادة على غزّة لتصفية الحقّ الفلسطيني ومحو شعب بأكمله.
هذا الكلام المدعّم بالشّواهد والأرقام الصّادرة عن منظّمات دوليّة موثوقة، لم يكن ليعجب ممثّل دولة الإحتلال الذي صرخ داخل قاعة المحكمة “كذب”، ممّا اضطرّ القضاة إلى قطع الصّوت. تعوّدت سلطة الإحتلال البحث عن الكذب عند غيرها لحرف الأنظار عن كذبها. فلا غرابة أن تتّهم دولة جنوب إفريقيا بأنّها ذراع للمقاومة الفلسطيّنيّة، ولا غرابة أن تعتبر دعوى جنوب إفريقيا للإحتلال بارتكاب أفعال إبادة “مثيرة للسّخريّة وعارا”. أمّا الأرقام الصّادرة عن قتل زهاء أربعين ألفا من البشر أغلبهم من الأطفال والنساء وإصابة ما يقترب من الثّمانين ألفا، فهو “دفاع عن النّقس”، فإن صدّق المجانين كلامهم، فليس بإمكان ذوي العقول تصديق ما يقوله الإحتلال عن نفسه.