مقالات

الطوفان ثورة إسلامية وهي حاصلة فعلا لا جدال في وجودها

أبو يعرب المرزوقي

1. لست اشك في أن ما سأقوله الآن حول معجزة الطوفان لن يصدقه من وصفهم ابن خلدون بفساد معاني الإنسانية عندهم لما ربوا عليه وحكموا به من عنف خلقي وسياسي جعلهم “عيالا” فردوا اسفل سافلين ولم يبق لهم ذرة من “بأس” المؤمنين التي يرمز إليها أبطال الطوفان هازمي الصهيونية والصفوية في آن.

2. سيعاب علي أمران: التفاؤل قبل نهاية الحرب بنتيجتها الموجبة والجمع بين الصهيونية ببعديها اليهودي والمسيحي. ولأبدا بالثاني. فبعدا الصهيونية (في أمريكا وفي إسرائيل) يتساندان. لكنهما هزما فعليا وقد يصمدان شهرا أو شهريا لأن الصهيونية المسيحية كفر بها شباب الغرب والإسرائيلية لا وزن لها.

3. وإذن فكلامي ليس ناتجا عن تفاؤل مجاني بل له سند اعتبره دالا على هزيمة اهم الف مرة الهزيمة العسكرية لإسرائيل: سقوط كل سرديات الصهيونيتين وبالذات -وهذا من مكر الله- بسلوك جعل ما يستمدون منه نفاق سردياتهم يصبح علة سقوطها: فمن يزعم انه ضحية الهولوكوست صار اكبر القائمين به أمام الجميع.

4. فأفقد مسانديه كل قدرة على مواصلة استعمال هذه الحجة أولا ليس في ما يسمى بالجنوب بل في عقر دارهم لأن الشعوب الغربية مهما كذب عليهم وخودعوا ليسوا بلا عقول ولا بلا ضمائر إذا ما استثنينا الخاضعين للابتزاز من المافيات الحاكمة بحيث لا يرون ما يجري في غزة وما يذكرهم به من جرائم مافياتهم.

5. والاهم من ذلك كله فعيونهم تنفتح على رؤية ما يخضعون هم انفسهم إليه من خداع الإعلام المضلل والمال الفاسد أي بعدي دين العجل التي تحكمهم بها المافيات: فربا الأموال (بيد أصحاب اللوبيات) وربا الأقوال (بيد إعلامهم) لا يستثنونهم فهم في وضعية كل من تهمين عليهم أمريكا: يعانون مثل غيرهم.

6. ومن ثم فالديموقراطية الأمريكية صارت على المحك: يكفي ما ترتب على خرافة معاداة السامية التي ألغت التعديل الأول من الدستور الأمريكي أي حرية التعبير التي منعوها على ثورة الطلبة الذين يرفضون العنصرية والتمييز العنصري وتكرار هولوكوست الهنود الحمر والكثير من الأنديجان (أهالي ليسوا مواطنين) كالهنود الحمر.

7. فلم تبق حجة الهولوكوست لهم بل صارت عليهم: ذلك أن الصهيونية المسيحية هي صهيونية من يعتبرون أمريكا الأرض الموعودة الثانية التي اقتضت التصفية العرقية للهنود الحمر وتبرر التصفية العرقية للفلسطينيين ليستعيدوا ما يسمونه الأرض الموعودة الأولى بإفناء أهلها: أمريكا تكرر الهولوكوست الآن.

8. تلك هي الهزيمة التي لم تستطع أمريكا إخفاءها مهما نافقت. وطبعا ما كان لها أن تواصل لولا خوفها من خسران حلفائها من الفاشيات العربية والفارسية والهندية التي تنتظر منها ومن إسرائيل تصفية قضية ثورة التحرير الفلسطينية كما صفوا قضية الربيع في الشعوب العربية التي أرادت الحرية والكرامة.

9. وهكذا اصل إلى الأمر الثاني الذي يعاب علي أي الجمع بين الصهيونية والصفوية بل وإضافة الفاشيات العربية أنظمة ونخبا عميلة لديها أي النخب المستعبدة مرتين: للفاشيات الحاكمة ولمن يحميها أي إسرائيل والغرب وايران والشرق. فكيف افسر هذا الجمع وكيف تسكت 22 محمية عربية توابع لهذين القطبين ؟

10. من لا يفهم أن أمريكا ومعها أوروبا وروسيا معها الهند يمكن أن يستغنوا عن جعل العرب مهددين من شرطي الغرب (إسرائيل) وشرطي الشرق (إيران) فيحتمي بعضهم بالشرطي الأول وبعضهم الثاني بالشرطي الثاني اللذين هما بدورهما محتميان بالقطبين في الإقليم كلاهما يستعد للوافد الجديد الصين والبريكس؟

11. ولولا ذلك لما افترضت أن الغرب بعد فشله في هزيمة روسيا سيضطر لترضيتها على حساب أوروبا وحسابنا ومعها إيران حتى تضعف الصين وتتمكن من الإحاطة بها خاصة وهي مطمئنة لوجود الهند معها ولا تخشى خروج اليابان وكوريا عن طوعها لما بينهما وبين الصين من ثارات لا يجهلها من يعلم بعض تاريخهم.

12. وقد افترضت ذلك من البداية ولم انتظر ما اثبت فرضيتي: فلعبة الفعل ورد الفعل التي بدأت باستفزاز إيران بضرب قنصليتها خطط لها لإخراج إسرائيل مما وصفت من تحول الرأي العام ضدها -انتصار حماس الخلقي- بملهاة معركة اكبر تلهي العالم الذي يمكن أن يتعاطف مع إسرائيل إذ توهم أنها مهددة لا حماس.

13. وما يثبت ذلك هو أن الملهاة كانت لعبة لأمريكا وايران فيها الدور التنسيق لعملية الرد والرد على الرد في الحدود التي تحقق الهدف الذي وصفت دون أن تذهب إلى ابعد من ذلك: بحيث إن رئيس الأوركسترا كانت أمريكا وإيران وإسرائيل طبقا السيناريو تطبيقا حرفيا للكذب على الشعوب وحفظ ماء وجوه الكل.

14. كلا ليس الكل بل ماء وجوه ما عدى العرب: فهم يعلمون انهم ليس لهم وجوه يحفظون ماءها. فهم لا يولون أي أهمية لشعوبهم ولا يحتاجون حتى لمنافقتها كما تفعل ايران مع شعبها. هم يحكمونهم كما تحكم الأنعام أو دون ذلك ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون بل هو يمولون الحماة للقضاء على ما بقي من الفتات.

15. سيقال إن أبا يعرب متطرف ويشكك في وطنية غيره ويتهم الحكام العرب والنخب المستعبدة لديهم بالخيانة رغم انه في نفس الوقت كان يطلب من الله ألا يتدخلوا عسكريا حتى لا يحصل اكثر مما حصل في حرب 48 وما تلاها من الحروب. وطبعا فهذا في تونس يسمى أما “انحنى أو برك” أو “يا طورة يا فورة”.

16. لست احمقا فانتظر من محميات أن تحمي غيرها. ولست غبيا فأصدق أن المستبدين يمكن أن يسهموا في تحرير شعوبهم. فحتى لو توهمت خيرا فإن ما حدث في الربيع وقبله من هزائم يحول دوني وتوهم ذلك ممكنا. لكن كان يمكن ألا يصبحوا ممولين لإسرائيل بما يحقق صمودها في الحرب وقبلها لإيران صمودها ضد الحصار.

17. لا احتاج للكلام على تموين إسرائيل في هذه الحرب والسكوت عن تجويع غزة وحماية سماء إسرائيل من مسيرات إيران رغم أنها لعبة بل أريد التذكير بأن إفلاس العراق ولبنان علته تمويل إيران العملة وإذا لم يفلس بقية العرب الذين يمولونها بها فلانهم عندهم ما يكفي لتفليس كل من يمكن أن يحمي الأمة.

18. فيكون الحاصل هو أن احرص الناس في العالم على إنهاء الطوفان بهزيمة حماس هم العرب تماما كما كانوا احرص الناس على إفشال الربيع. والنتيجة التي لا يرونها أن الحصيلة النهائية هي انهم بصدد الانتحار: لان من ينهي العراق الهلال ومصر وبقية العرب لحماية العاجل سيكتشف في الآجل انه كان ينتحر.

19. فمن يعتقد أن إسرائيل إذا انتصرت ستقف عند حدود فلسطين الحالية ولن تتوسع لتسترد كل ما تعتبره جزءا من إسرائيل الكبرى من النيل إلى ما بين النهرين إلى الحدود التركية وأن ايران تريد احتلال مكة وكل الضفة الغربية من الخليج لاسترداد دولة الأكاسرة.

20. طبعا ستجد بعض المرتزقة ممن يتصورون كلامي علته اني طائفي واحب بني أمية وليس لأني تحررت من سلطان الباطنية التي زيفت الإسلام بمنطق السبئية مصدر الطائفية والفتنة الكبرى ثم زيفت كل التاريخ فصار كل الصحابة خونة والرسول غبيا لأنه صاحبهم والوحيد الذي كان طاهرا هو من الهوه لسذاجته.

21. من يريد أن يفهم سلوك النخب العربية التي تدعي الانتساب للفكر الإسلامي -وحاشا أن أكون منهم لأني لا اصف الفكر بغير ذاته لإيماني بكونيته مثله مثل كل القيم التي تعبر عن الإرادة الحرة التي تطلب الحقيقة- فعليه ألا ينسى هذين التحريفين: ثورة الإسلام وتاريخ الإسلام. كلاهما حرفتهما الباطنية.

22. ولأبدا بتحريف ثورة الإسلام. فهو ثورة على الوساطة الروحية (سلطة دينية وسيطة بين المؤمن وربه) وهو عند السنة خرافة وراثة العلماء للأنبياء. وليس للأنبياء ما يقبل الوراثة لأن الوحي عند الأنبياء مع التبليغ عند الرسل كلاهما اصطفاء الهي لا يقبل التوريث. السنة إذن تحاكي الشيعة باحتشام.

23. فإذا أضفت إلى ذلك النوع الثاني من الوساطة اعني الاختراق الصوفي للسنة وقياداته هم في الغالب من ذوي التوجه الشيعي المغالي في الكلام باسم الرسول كلام الغلو الذي حذر منه الرسول لأنه مثيل غلو المسيحيين في عيسى. وغالبا ما يجمعون بينه وبين علي والقول بذلك من علامات تأليهه السيء.

24. أما تزييف التاريخ فهم -وخاصة منذ سيطرة التشيع على الدولة العباسية- فصار كل الذين بنوا الخلافة أي الخلفاء الثلاثة الأول قبل الفتنة الكبرى ثم بعد نهايتها أي كل خلفاء بني أمية من افسد خلق الله في حين أن كل مجد الإسلام يستمد من هذين الحقبتين: فبعدهما انفرط عقد الخلافة وتوقف الفتح.

25. وأخيرا فالإسلام لم يعد ثورة تحرر البشرية من الوساطة الروحية (الكنسية) ومن الوصاية السياسية (الحاكم المستبد الذي يسمونه ظل الله في الأرض) بحيث إن كل النخب إلا ما ندر صاروا عبيد الحكام وذوي الجاه ولا يمثلون إلا الارتزاق والخوف من التفتيش. فلا عجب أن يخشى العبيد سلطان الباطنية.

26. والحمد لله. ولدت حرا وسأبقى حرا. ولا اعمل إلا بما قاله ابن خلدون حول من فسدت منهم معاني الإنسانية في كلامه على من ربوا وحكموا بالعنف فصاروا عيالا لا حول لهم ولا قوة إلا بالنفاق والتقية بعد أن فقدوا التقويم الأحسن اسفل سافلين وذلك هو الخسر كما جاء في العصر: فأين هم من الطوفان.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock