مقالات

إسرائيل من يحميها حقا؟

أبو يعرب المرزوقي

1. أريد اليوم أن أجيب بوضوح عن سؤال يتجنب الكثير الخوض فيه للتسليم بأن جوابه بديهي: ما علة التنمرد الإسرائيلي في الإقليم أو هل مساندة الغرب لها جواب كاف بل وبديهي عند الكثير لبينونته ليس في حروبها مع الدول بل حتى مع فصيل صغير من جنس حماس؟ أم علينا أن نتجاوز هذه البداهة الزائفة؟

إسرائيل
إسرائيل

2. فيعسر أن يسلم المرء أن الغربي يفعل ذلك لأنه كريم ويريد مساعدة إسرائيل لوجه الله ومن ثم فلا بد أن ذلك استثمار في مشروع نافع لخططه الاستراتيجية البعيدة ولا يكلفه ما يجله يتردد في الإقدام عليه بحساب الربح والخسارة لا مباشرة ولا غير مباشرة في علاقة بضحاياه (نحن) وبأدواته (إسرائيل).

3. وحتى يكون كلامي شديد الوضوح فليكن الكلام على مساندة الغرب لأكرانيا في حربها مع روسيا: فهل تكلفه هذه المساندة ما يخسره في علاقته بروسيا (المفروضة ضحية) وأكرانيا (المفروضة أداة) لاستراتيجيته المتعلقة بتوسيع الحلف الأطلسي وإضعاف منافسه على أوروبا وعلينا وعلى القطبية ضد الصين؟

4. ولما فكرت في كون أمريكا بدأت تراجع خطتها لأن روسيا صمدت ولأن مقاتلي أكرانيا قد يفنوا وأمريكا ليست مستعدة للقتال بدلا منهم وعنتريات ماكرون لا تقنع أحدا لأن أوروبا يلزمها عقود لتكون قادرة على محاربة روسيا فإن خطة أمريكا هي الصلح مع روسيا على حساب أكرانيا وأوروبا لضم روسيا إليها.

5. نلك هي الاستراتيجية التي أتوقع أن أمريكا ستلجأ عليها لإضعاف البريكس بفصل روسيا وايران عن الصين مع ضمان الهند وجل الشرق الأقصى معها ما يجعل الصين شديدة الحذر ومعلوم أن الصينيين يفضلون طريقة فيلسوفهم سن تسو على الحرب والرمز هو بناء الجدار المحيط بالصين في ماضي تاريخها: تربح دون قتال.

6. ذلك أن الزمان لصالحها وقد برهنت عليه لما استفادت من خطة أمريكا في حربها ضد السوفيات وضد المسلمين حتى تفوقت عليها في شروط القوة الرادعة وصارت تنافسها على كل المستعمرات التي كانت أوروبية وصارت توابع أمريكا بعد الحرب العالمية الثانية: خطة الصين في معركتها الاقتصادية والدبلوماسية.

7. بل هي تنافسها في أوروبا وفي إقليمنا وحتى في عقر دارها. وهذه الاستراتيجية تجمع بين الصبر الاستراتيجي أو حرب المطاولة ودفع العدو للانقلاب على كل عقائده: فالليبرالية الأمريكية هي التي ستصبح حمائية ثم بالتدريج انطوائية فتكون قد خسرت المنافسة بطريقة سن تسو أي بالتخريب الذاتي لسر قوتها.

8. أعود الآن إلى مطلوبي في هذه التغريدات: ما نلاحظه هو أن المسلمين عامة والعرب خاصة ليس لنا لا استراتيجية سن تسو ولا استراتيجية كلاوس فيتس ولا أدنى خطة تتجاوز الأنف عند متنبي خطط النعام التي تحكم المحميات التي نشأت بعد فقدان السلطان على الأحياز الخمسة التي تتقوم منها سيادة الدول حقا.

9. فسيادة الدول ليست لعبة: لا بد لها من السلطان على الأحياز الخمسة: 1- وحدة الجغرافيا 2- وثمرتها شروط الثروة المادية ومفعولها الرمزي 3- وحدة التاريخ 4- وثمرتها شروط التراث الروحي ومفعوله العلمي والتقني 5- وأصلها جميعا صلاح النخب الحامية لمرجعياتها التي تعرف نفسها بها كأمة حرة وكريمة.

10. غياب هذه المقومات الخمسة هي علة تنمرد إسرائيل والاستفادة من السند الغربي الذي لا يكلفه شيء لأن غيابها يحول دون الفتات الجغرافي والشتات التاريخي وثمراتهما ما يجعل المرجعيات فاقدة للتأثير على ما يحصل للأمة بحيث يمكن لأمريكا وإسرائيل ولروسيا وايران أن يتقاسموا اللعب بنا دون كلفة.

11. وفي هذه اللعبة منطق المستويين واحد: ما يبدو من صرع بين إسرائيل وإيران جنيس لما يبدو من صراع بين أمريكا وروسيا لأن الأولين هما أداتا الثانيين في جعل المحميات العربية -وهي ما يعنيني- تنتهي إلى فقدان مشروع ذاتي وتنقسم إلى محميات تابعة للأداتين بحماية مستعمليهما فيحافظان على اللعبة.

12. وحتى لا أطيل فلنفترض أن روسيا والصين يشعران أن ما يحدث في الإقليم لا يفيدهما هل يعجزهما أن يكونا في علاقة بنا من جنس علاقة أمريكا وأوروبا بإسرائيل؟ لماذا لا لردع تدخل الغرب؟ وأقل من ذلك لماذا لا العرب بطرد القواعد الغربية من بلدانهم ليثبتوا جديتهم فيحدوا من انحياز الغرب ؟

13. وبذلك نكون قد وصلنا لبيت القصيد: 1- لو كان الغرب متأكدا أن الشرق صادق في موقفه من الظلم في العالم 2- وأن العرب جادون في حماية البيضة. لما تواصلت لعبة تخويف بعض العرب من إسرائيل وتخويف البعض الثاني من إيران حتى يحتمي كلاهما بكليهما ومن ورائهما الغرب والشرق: كلهم منتفعون من وضعيتنا.

14. هذا هو بيت القصيد: عندما تكون أمة من الأمم قد صارت فريسة لكل مفترس فلا يمكن ألا يتقاسمهما الصيادون للفرص. لكن الداء اعمق من ذلك: لان السؤال هو ما الذي يجعل الأمة تصبح فريسة لكل مفترس فتكون لا حول لها ولا قوة رعاية لشعوبها وحماية لأوطانها فلا تكون لها سيادة ولا حرية ولا كرامة.

15. فلنأخذ أي قطر عربي من بين الـ22 محمية ولنسأل: مما يخاف بحيث لا يستطيع أن يقدم على قرار عدم خذلان الشعب الفلسطيني فتنصر مقاومته لألا يصبح تابعا لأحد الفصيلين الطامعين في تقاسم الوطن العربي بعد أن يئس من سند جامعة المحميات العربية المنقسمة وهو في صدام مع أحد الشرطيين: إسرائيل؟

16. فمن منا يجهل حقيقتين أوضح من شمس القيلولة: 1- من هم مع الغرب من العرب كلهم مطبعون جهرا بعد أن كانوا سرا أولا. 2- ومن يدعون الممانعة ينتظرون حصتهم من الفريسة بعد أن يقنعوا الغرب بأنهم لا يعادونه بل يريدون “حصة دسمة” منها لا غير: والدليل هو موقفهم ضد الربيع أجل خدمة للغرب دون شك.

17. وحتى لا يكن كلامي مجرد ادعاء فليذكر القارئ ما الذي حصل للفلسطينيين في العراق وفي سوريا في بداية الربيع وما أصابهم من مليشيات إيران فيهما بحيث إن حماس خاصة صارت طريدة ولم يبق لها حق الوجود فيهما فضلا عما حصل للمخيم في سوريا.

18. وحتى اليوم فهم يريدون استعمال ما بقي من حماس في لبنان لتوريط السنة في حرب حزب الله مع المسيحيين بعد سقوط الرئيس وصهره العميلين لحزب الله ومحاولة الشعب اللبناني تحرير بلاده من مشروع إيران: جعله قاعدة إيرانية لا غير وتنصيب احد عملاء النعجة رئيسا للبنان.

19. لبنان عينة من جل بلاد العرب: ففضلا عن اشتراكهم جميعا في فقدان السلطان على الأحياز الخمسة شرط السيادة نجدها كلها محميات إما لإسرائيل والغرب أو لإيران والشرق واللعبة التي تجعل الأربعة مستفيدين منهم فريسة. لكن العلة الأعمق هي خوفهم من بعضهم البعض أولا (المجموعات الخمس) ومن شعوبهم.

  1. ولأختم: هل لو لم يفسدوا ثورة الربيع هل كان يمكن لما يحدث حاليا في غزة أن يكون على ما هو عليه حاليا؟ لذلك فالمحميات العربية لهذين العلتين لا يمكن ألا يكونوا هم من يحمي إسرائيل بخذلانهم على الأقل خوفا على كراسيهم ولو كانت لدور حارس ما يملكنه حاميهم من الغرب والشرق وأداتيهما.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock