مقالات

تهمة الطائفية والارتزاق حجتا البهائم من مساكين نخب العرب

أبو يعرب المرزوقي

1. في سلسلة التغريدات الأخيرة دحضت تهمة الطائفية ليس بالتاريخ فحسب ولا بموقف ثالوث المدرسة النقدية فسحب (الغزالي وابن تيمية وابن خلدون) ولا بموقف الشيخ القرضاوي فحسب بل أثبتت صحة موقف القاضي ابن العربي (الفقيه وهو غير ابن عربي المتصوف) وعلي أن أدحض التهمة الثانية: أن مواقفي علتها الدولار البترولي لكأني مرتزق.

2. والحجة التي يرددها الحمقى الذين يقيسوني عليهم هي حجة موقفي من الحوثيين الذين وصفتهم بكونهم ليسوا ثوارا بل من جنس حزب الله في مشروع الإحاطة بلقب الإسلام جغرافيا أي مراكز رمزي التقديس الإسلامي في الجزيرة وفي فلسطين وفي الشام وفي العراق لاسترداد إمبراطورية فارس بخدعة المومانعة.

3. ولن أطيل في دحض هذه التهمة لأنها لو كانت تنطبق علي لكان موقفي من مؤيدي “الإبراهيمية” التي تؤسس للتطبيع مع إسرائيل على أحسن ما يرام لأن الكثير من قادتها كانوا من أصدقائي قبل انفجار مؤسسة علماء الإسلام فصارت رمز الحرب الأهلية الباردة بين الخليجيين.

4. قلت إني لن أطيل في تحليل هذه الحجة لأن الجميع يعلم أن هذا الانقسام علته وجوهره معركة حول زعامة مؤسسة علماء الدين قبل تفجرها وبين المنتسبين إليهما من يمكن اعتبارهم ما طالبي المالي: 1- فذلك أمر طبيعي في البشر للتنافس من اجل الرزق و2- درجات التضحية من اجل المبادئ متفاوتة بالطبع.

5. فكوني لست من أي منهما وكوني كان يمكن أن استفيد من علاقاتي في أي منهما ولم أفعل ولن افعل دليل ثابت بأن دوافعي هي عينها من أهداف الباطنية التي هي من جنس أهداف الصهيونية في السعي لمحو كل ما حققه الإسلام الذي حرر البشرية من خرافتي شعب الله وأسرته المختارتين لاستعباد الإنسانية.

6. لذلك فمحاولتي الحالية تهدف إلى أمر اخطر هو علة موقفي ليس من إيران وإسرائيل وحديهما بل ممن وراء إيران معها أي روسيا وممن وراء إسرائيل معها أي الولايات المتحدة وكل الغرب الذي ما يزال محكوما في العمق بالتاريخ الصليبي والإستردادي لأن العالم الذي كان يسيطر عليه جله كان أرضا إسلامية.

7. وهي أرض إسلامية أي جل إفريقيا وجل آسيا وبعض أوروبا وحتى بعض العالم الجديد لان المسلمين وصلوا إلى أمريكا الجنوبية قبل الإسبان والبرتغال وحتى إلى أستراليا كما تبين الاكتشافات الأخيرة. وكان الاسترداد إسباني برتغالي ثم صار أوروبيا بصورة عامة وخاصة بعد نشأة إمبراطورية شارل الخامس.

حملة صليبية
حملة صليبية

8. ولا يمكن لتونسي -بصرف النظر عن إسلامه- أن ينسى أن جيش شارل الخامس لما صار قيصر أوروبا جامعا بين الكاثوليكية لعلاقته بإسبانيا والبروتستنتية التي كان من مساعدي لوثر في تحقيقها وقطا أرضها ودنس مقساته ومعها الجزائر وليبيا ولم يخرجهم منها إلا الخلافة العثمانية التي خانها عملاء العرب.

9. كما لا يمكن لتونسي -بصرف النظر عن إسلامه- أن ينسى أن آخر حملة صليبية لا يعرفها بقية العرب كان في بحيرة تونس في منتصف القرن الثالث عشر حيث افنى الطاعون جيش الحملة وهي فرنسية فهزمهم الله وحرر منهم تونس لأنها كانت مستضعفة.

10. لست مؤرخا لكني لا انسى دروس التاريخ. وعلى العرب ألا ينسوا أن مؤسس علم التاريخ الأحدث في العالم هو ابنها مولدا رغم كونه جامعا بين كل العرب من حضرموت إلى الأندلس: ابن خلدون مؤسسي العلوم الإنسانية التي لبها تاريخ الحضارات ومنطق التعمير والاستخلاف.

11. فكل من يحاول أن يدرس الإمبراطوريات الأوروبية السبع قبل القطبين الغربي والشرقي الماضيين (أمريكا وروسيا) والمقبلين (أمريكا والصين) كانوا مهدمي الخلافة العثمانية وقبلها ما بقي من العربية بالتعاون مع الخونة من العرب ومع الفرس واليهود وهم يحاربون الإسلام جغرافيته وتاريخه ورؤيته وقيمه.

12. مطلوب هذه المحاولة هو بيان ذلك في مستويين: الأول دور التقاطب الماضي والتقاطب القادم والثاني عودة طموح الإمبراطوريات الأوربية لوهم استعادة مستعمراتهم باستعادة دورهم في العالم والاتحاد ليكونوا قوة في التقاطب القادم قطبا ثالثا ليحافظ على دوره في مستعمراته السابقة بالعملاء من أبنائها.

13. ومن له دراية بتاريخ أوروبا التي فقدت سلطانها بعد الحرب العالمية الثانية ودافعها للوحدة ودور فرنسا في ذلك -وهي قائدتها عند من يعلم تاريخ الصليبيات مثلي إذ ترجمت تاريخها الهيجلي- ثابت في خطاب القزم: ساركوزي والإسلاموفوبيا المرضية عنده.

14. ما يحيرني هو: هل المسلمون عامة والعرب منهم خاصة يستعدون لهذا السيناريو الذي سيحكم العالم فيه القطبان الجديدان والقطب الأوسط (أوروبا المتحدة) مع إمكانية انضمام الهندوروسيا وإيران للقلب الغربي للقطب الشرقي فيكونوا فتات الجغرافيا وشتات التاريخ ومخربي مرجعيتهم بمظاهر بالتحديث ؟

15. ما أتوقعه من استراتيجيا للقطبين (أمريكا والصين) وللحل الثالث الأوروبي هو دون شك التنافس على تقاسم دار الإسلام لما فيها من خيرات ولموقعها الجغرافي فاصلا بينهم من متلقى القارات القديمة الثلاث إلى ملتقى القارات الثلاث الحديثة: الأميركتان وأستراليا والعرب نيام “يشخرون” أو يتقاتلون.

16. كنت أمني النفس بالقول لعل تكون المجموعات الخمسة في بلاد العرب بداية طيبة تعد لتكوين قطب وازن يحررهم من التبعية والحاجة للاحتماء بالأعداء برمز القواعد الغربية والشرقية في الأرض العربية. فتبين انهم يحتمون من بعضهم البعض ومن شعوبهم وليس من الأعداء: متعادون نكوصا للقبلية الجاهلية.

17. ولأيدأ بإحصاء التجمعات الخمسة: 1- الهلال 2- الخليج 3- القرنان (اليمن والصومال) 4- النيلان (مصر والسودان) 5- أخيرا المغرب العربي. فهل بقي شيء من ذلك ذا مصداقية أم هو كذب محض رمزه جامعة “المحميات” العربية التي هي “جبانة” العروبة ومركز الخيانة الصرفة للعروبة والإسلام والحرية والكرامة.

18. وليس بالصدفة أن نحلل مما يشتق اسم أمينها العام المتثائب. وهل تشبيب القيادات في بلاد العرب يعني تشبيب الإرادات أم هو تمييعها إلى الحد الذي صار فيه حكام العرب يتسابقون على التطبيع العلني والمفاخرة بالتحديث حتى في تكذيب القرآن فإبراهيم لم يكن يهوديا ولا نصرانيا بل حنيفي مسلم.

19. شعوب العالم تتسابق في تحقيق شروط السيادة والحرية وشروط الحرية والكرامة بمبدأ الأنفال 60 والعرب يتسابقون في المواخير وفرق الكرة ونطح السحاب من غير حماية الثغور والأبواب بحيث إن من يخافونه بكل جيوشهم أجبرته فرقة صغيرة من جند مؤمنين فخر عسكريا وقيميا وصار أضحوكة العالم: هزمته حماس.

20. فلم يبق لهم مفر من مساعدة إسرائيل علها تخلصهم من “وجع الدماغ” مع ترديد خطاب النفاق بالزعم انهم حريصون على أرواح الفلسطينيين اكثر منهم في حين أن اغلب مواطنينا ليسوا افضل حالا من الفلسطينيين من حيث الحرية والكرامة والشعور بالأمن والعيش الكريم في بلاد هي محميات الخوف من غولين مستبدين.

21. 450 مليون عربي في وطن واحد هو ثاني اكبر مساحة بعد روسيا يحتمي نصفهم بإسرائيل خوفا من إيران ونصفهم بإيران من إسرائيل لأن نخبهم السياسية والفكرية والإعلامية والثقافية إما مخلدون إلى الأرض أو عملاء لمستعمر الأمس نكصوا على الحرب الأهلية بين فتات المجموعات الخمس التي هي مجرد أسماء.

22. عجب الكثير مما قلته في المرحوم حسنين هيكل عندما شككت في نباهته التي يتصورها الكثير خارقة للعادة: ذلك اني سمعته في حوار مع صحفي تونسي نابه بأنه يجزم بضرورة فصل السودان عن مصر. فعلقت حينها بأنه إما جاهل بأبسط مبادئ الجيواستراتيجيا ودورها في ضمان وحدة النيل أو هو خائن لأمن مصر.

23. وتأكدت بأنه خائن وجاهل لعلتين: الأولى هي نصحه بالتعويض عن الحلف مع السوفيات بعد سقوطهم بالحلف مع الملالي بدلا من التفكير في حل ثالث هو توحيد العرب بدلا من خوض معركة بين السعودية ومصر مقابلة بين التقدمية والرجعية والثانية اخطر هي نحصه بالنموذج الجزائري ضد الربيع العربي.

24. لماذا الثانية اخطر؟ فإما انه كان يجهل أن النموذج الجزائري ويعني إخماد أول ربيع -قبل المعروف بعقدين- كان مشروعا فرنسيا طبقه عملاؤها في الجزائر وإذا كان يعلم ذلك فهو إذن حليف الصليبية الفرنسية التي صارت تسمى إسلاموفوبيا: هي إذن نزعة مصر الفتاة والعنصرية ضد العروبة والإسلام.

25. فإذا وصلنا ذلك بالكتيب -الذي صار إنجيل عبد الناصر- تبين القصد بالدوائر الثلاث التي سماها مجال مصر الحيوي وليس فيها ذلك للإسلام. وحتى نفهم ذلك فلنقارن ما إستفاده الهند من عدم الانحياز وما استفادته مصر بسبب حمق نصائحه لرئيسه الأمي الذي أهان مصر والعرب والمسلمين بهزيمة 67.

26. فكان ورثة هذه الرؤية هم من هدم الربيع في مصر وفي سوريا وفي تونس وليبيا وفي اليمن وأخيرا في السودان: وكلهم تلاميذ عقد طه حسين الذي توهم أن حبه لإمرأة فرنسية يجعله أوروبيا فحاول أوربة مصر فافسد افضل ما فيها وصارت نهبة لأربعة أخماس شعبها من محاربي شروط نهوضها. ويكفي حال نخبها.

27. لما يصبح جل النخب: 1- دراويش تصوف 2- وحمقى تسلف 3- وبلداء تحديث عنيف و4- قومج ناصرية 5- وتحريف مسيحية يعسر لشعب مصر أن يحقق ثورة تحرير وكرامة فيتحول كله سائرا بمنطق التخاذل الدائم فيصبح بوسع أمثال بلحة أن يحكمهم فيجعلهم محمية صهيونية لا غير فيكون الفلسطيني افضل حال منهم رغم إسرائيل.

28. وقس على مصر كل بلاد الربيع بل وكل الأقطار التي تحالفت للتصدي لثورة الربيع وهم انفسهم من يتصدى لثورة الطوفان: وبذلك فموقفي من ايران ليس خاصا بها فهي مثل كل المتصديين للربيع ولعلها ابرزهم وهي كذلك متصدية للطوفان لكن بخطة الدهاء الذي يخلو منه حمقانا من النخب العربية: بحاجة لورقة.

29. إيران بحاجة لورقة المومانعة لغايتين: التغطية على مشروعها أولا وجعل حرب التنافس على ارض العرب مع إسرائيل تجري حروبه بالدم العربي والمال العربي واعتمادا على غباء النخب وبلاهة العامة: ظنا أن ايران تضحي من أجل تحرير فلسطين ومحاربة إسرائيل وأمريكا حبا في آل البيت لم يسألوا عن البيت.

30. فالبيت في ظن العامة هي بين الرسول الخاتم. لكن في معتقد الباطنية هي بيت كسرى. وإليك الدليل: فأيهما اكثر قربا من الرسول من زوجه بنتين أم من زوجه بنتا واحدة؟ هل كان الرسول لا يحب بنتيه اللتين زوجهما لعثمان؟ لماذا تبجيل فاطمة؟ وعلي أليس له عدة أبناء فلماذا تبجيل الحسين؟ ثم ثم.

31. ولأختم بالحجة الثانية: من أفشل الربيع في سوريا حتى بعد هزيمة مليشياته فاستدعى بوتين ليحميهم بطيرانه وضمانة التمويل العربي؟ ومن فاخر باسترداد اربع عواصم عربية؟ ومن فعل بالعراق وسوريا ولبنان ما بقيت أفاعيل الصيانة أمامه حتى الأخيرة في غزة اقل بشاعة منه: فهي لم تحي الفتنة مثلها.

32. لم اكتب هذه السلسلة دفاعا عن نفسي فلست أبالي بالاتهام لعلمي بمصدريه وتفاهة القائلين به. كتبتها حتى يعلم الجميع أن الداء ليس له دواء لو كان مقصورا علي يستهدفني لو لم يكن أصحابه مدركين أهمية ما اثبته في وحدة الدورين الصفوي والصهيوني ليس الآن فحسب بل منذ الردة واغتيال الفاروق.

33. وليس بالصدفة أن كانت الفتنة الكبرى في ذروتها سبئية باطنية جاهلية: فهي سبئية في تأليه علي وباطنية في تركيع العروبة وجاهلية في عودة صراع القبائل العربية. وثلاثتها ليست من صنع خيالي فالتاريخ يثبتها، يثبت أن معاوية كان مدركا لهذه الأبعاد وهو واصل الخلافة الراشدة وليس ملكا عضوضا.

34. والدليل القاطع مضاعف: إنهاء الحروب الأهلية بعد إنهاء خروج ابن الزبير واستئناف الفتح الذي حقق اكبر إمبراطورية في تاريخ البشرية من حدود الصين إلى قلب باريس حيث ألقيت آخر محاضرة قبل عزلتي منذ ثلاثة عقود تفرغت فيها لفهم القرآن الكريم بحثا عن بنيته بمنظور فلسفي لكأني غير مؤمن بغيره.

35. فصرت مؤمنا بأن المنظور الفلسفي يزيد إيماني بالقرآن لأنه رسالة الديني في كل دين وثورة تحرر الرسالات السابقة بما طرا عليها من تحريف علته إخضاعها لضرورات التاريخ والاستعمار في الأرض بالتنصل من قيم الاستخلاف ونسبان ما يتعالى عليها بالإخلاد إليها: وذلك هو جوهر الصفوية والصهيونية.

36. فكلتاهما تؤمنان بدين العجل واحدة تدعي الثيوقراطيا (الصفوية) والثانية الديموقراطيا (الصهيونية) لكنهما تعتمدانهما لتخفيا سلطان ربا الأموال (معدن العجل) وربا الأقوال (خوار العجل) لاستعباد البشر وشرط دلك الحرب على ثورة الإسلام المحررة للبشرية من الوساطة الروحية والوصاية السياسية.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock