لعبة صهيون وصفيون لم تعد تنطلي حتى على العامة
أبو يعرب المرزوقي
1. ما لم أعد أستطيع حتى محاولة فهمه فضلا عن تعليله أو تحليله هو الإيمان بأن إيران تحمي مقاومة الممانعة ووحدة الساحات والإيهام بأن مقاومة الشعب الفلسطيني جزء منها في حين أن الأحداث بعد الطوفان تثبت العكس تماما: عودة التظاهر بالشجاعة الإيرانية منطلقها إنجازات الطوفان المضاعفة.
2. فلولا إثبات حماس أنهت ما يزعم من قوة لدولة الإحتلال وبينت هشاشة جيشها أولا وهو ما أحوجها للمشاركة الغربية المباشرة منذ اليوم الثاني بعد 7 أكتوبر والأهم من ذلك هو الصمود الإعجازي الذي قلب الرأي العام الدولي بما فيه الغربي فأسقطت كل سرديات الصهيونية بحيث عادت القضية إلى الصدارة.
3. فكان البحث عن استراتيجية تغير هذين النتيجتين وتكون في آن لصالح إسرائيل وإيران: استراتيجية تلغي هذه الصدارة وتمكن إيران من استرداد وهم تمثيل المقاومة بالممانعة التي كلنا يعلم دورها الحقيقي أي تمكينها من استرداد إمبراطورية فارس بغطاء مقاومة الغرب وتحرير فلسطين ورقتين تفيدا الغرب.
4. وهذه الفائدة هي التي يغفل عنها المحللون عندما لا يصدقون أن ما حصل في ضربة القنصلية الإيرانية وما تلاها من رد إيراني ورد إسرائيلي عليه مجرد مسرحية كما سأبين: وبين أنه لا يوجد عدو يحارب عدوه بإعلامه حتى لا يتكبد خسائر لأن ذلك مناف لجدية وحقيقة العداوة بين المتبارزين. فما السر؟
5. فلنسأل: هل كان يمكن لإسرائيل أن تضرب القنصلية من دون أن تراها روسيا المسيطرة على سماء سوريا؟ وهل كانت إسرائيل تفعلها من دون ضوء أخضر أمريكي؟ وإذن فالاستفزاز هدفه إثارة رد فعل إيراني وهو ما حدث ولكن بما وصفت من إعلام متبادل بالحدود في الرد المتفق عليه في الحالتين ردا وردا عليه.
6. لو لم يكن الأمر كذلك لاستحال أن يرد على من قتل خمسة من كبار القيادات والعدوان على السيادة باستعراض مسيرات اقل سرعة من حمار مع الإعلام والتفاوض مع أمريكا على الحاجة للرد وكان في حدود لا تضر أحدا كما حصل في ضربة قائد فيلق القدس سابقا. ومن ثم فأمريكا كانت تعلم أن ذلك سيكون كذلك.
7. فيكون الإذن بضرب القنصلية وسكوت روسيا مضمون النتيجة وطوق النجاة لإسرائيل ولإيران في آن: إسرائيل تخرج من وحل غزة عسكريا ودبلوماسيا وإيران تتظاهر بكونها قوية حتى تغالط شعبها وتوهم العرب بأنها صارت عملاقا عالميا تخشاه أمريكا ما دامت تمنع الرد الإسرائيلي المزعوم أن يتجاوز الحدود.
8. وبذلك فإن الخطة ليست مقصورة على هذا المستوي المتعلق بالشرق الأوسط بل هو يشمل جبهة أوسع: فالهدف هو بداية الفصل بين روسيا وإيران من جهة والصين من جهة ثانية: والسؤال هو كيف تحاصر الصين إذا لم تخرب البريكس؟ تلك هي الغاية الأبعد من مسرح الحرب في فلسطين والشرق الأوسط.. هل هذا مجرد تخيل؟
9. من يعتقد أني أبالغ في التخيل فليجب عن السؤالين التاليين:
- كيف يفهم أبعاد الهند من البريكس بالطريق البديل التي تمر من الهند إلى الإمارات إلى السعودية إلى إسرائيل وفي غزة بالذات؟ أليس في ذلك ضرب لطريق الحرير الصينية؟ وهل توجد عداوة بين الهند والصين أم لا؟ المستهدف إذن هو البريكس.
- والأمر الثاني هو كيف يفهم تعطيل المقاومة الأكرانية للاحتلال الروسي بحيث إن الترضيات التي تعطى لإيران من نفس الطبيعة التي تعطى لبوتين. فإذا خرجت روسيا وإيران والهند من البريكس هل يبقى له وزن يمكن أن يزيل سيطرة الغرب على العالم لقرن آخر؟ هي حماية للغرب عامة ولعملة الدولار خاصة.
10. أي استراتيجية غربية لتدارك ما أضاعه خلال حربه على الإسلام يقتضي منع ما حققته الصين في إفريقيا وآسيا وضمها روسيا وإيران إليها بحيث إن تدارك نتائج سياسة أمريكا التي جعلت روسيا تستعيد قوتها والصين تصبح ندا لأمريكا يقتضي ما يتفق عليه الحزبان فيها. فالخروج من أفغانستان بدأه ترامت.؟
11. وأتمه بايدن واعلن لتعليل إتمامه بأن ذلك لتدارك ما ضاع من وقت في حروب لا حاجة إليها والتفرغ للعدو الجديد أي الصين. ثم جاء ما حدث في إفريقيا من تعامل عميق مع الصين وروسيا وإخراج لفرنسا والابتعاد عن سياسة أمريكا. ثم نشأة البريكس: لذلك كان لا بد من خطة صادف أن زامنت عملية الطوفان.
12. فعملية الطوفان لم تضرب إسرائيل فحسب بل هي ضربت خطة الطريق الهندية بداية وإسرائيل غاية مرورا بالجزيرة العربية بدلا من طريق الحرير وبداية لضمان حماية الممرات والطاقة ومحاصرة الصين والاستعداد لاسترداد إفريقيا وآسيا من التأثير الصيني. ولم يبق إلا إيران وروسيا وأمريكا اللاتينية.
13. الاستراتيجية الأمريكية تهدف إلى ترضيتهما الأولى على حساب العرب والثانية على حساب الأوروبيين. الحوار بدأ مع إيران -وهذا هو ما أحوجهم للمسرحية المضاعفة للتغطية- ثم مع روسيا وهو ما أحوجهم إلى التضييق على أوكرانيا وفرض الاستسلام القريب والتفاوض الذي سيعطي روسيا كل ما تريد فيها وأكثر.
14. واعني بـ”الأكثر” هو تمكين بوتين مما يجعله زعيم المسيحية الأرثودوكسية ليكون قيصر روسيا الجديد: فماذا يريد بوتين؟ استرداد ما فقدته روسيا أي حصتها من سايكس بيكو أعني ما تخلت عنه ثورة السوفيات في الحرب العالمية الأولى: استرداد أرض بيزنطة التي بقيت تركية: القسم الأوروبي من تركيا.
15. وكل من له دراية بمن حارب الخلافة العثمانية فجعلها “الرجل المريض” في القرون الثلاثة الأخيرة من عمرها هما روسيا والدولة الصفوية اللذان استفادا من حروب الاسترداد الكاثوليكية التي أخرجتها من جل محيط الأبيض المتوسط والخليج: حلف إيران مع البرتغال وحلف السلاف الأرثودوكس مع الكاثوليك.
16. وهو ما يعني أن استراتيجي أمريكا لا ينسون تاريخ الجغرافيا الإسلامية وما قد يغيب عليهم يذكرهم رموز الاستشراق الذين درسوا دور الفرق الغالية التي نتجت سقوط دولة الباطنية التي جاءت من تونس والجزائر واحتلت مصر فتحالفت مع الصليب والمغول: الحاجة لإيران ولليهود منذ الفتنة الكبرى.
17. ومن يجهل دور مستشرقين كبيرين مختصين في الفرق الغالية والباطنية وفتات الدولة الفاطمية التي هزمها صلاح الدين الأيوبي وانتشروا في لبنان ومنهم تكونت دولة الصفوية في إيران: مستشرق فرنسي مختص في النصيرية ومستشرق صهيوني مختص في الحشاشين وكلاهما يؤسس لسايكس بيكو ثانية لمزيد التفتيت.
18. ما يعني أن فتات الدولة الفاطمية ساهم في تأسيس الصفوية وبهما معا يؤسس الغرب أداة القضاء على استئناف دور الإسلام في التاريخ الحالي وفي ذلك تلاق مصلحي مع إسرائيل بحيث إن إيران تقاسم إسرائيل في الاستحواذ على أرض قلب الأمة الإسلامية أي بلاد العرب في المشرق والمغرب لمنع الاستئناف.
19. وأخيرا فإن كل هذه التعقيدات تبدو مجرد خيال لا حقيقة له في الواقع عند من يتصور أن نسيان التاريخ يمكن ألا يفقد الإنسان البصير فيكون الواقع مجرد ما يدركه البصر أي رؤية الصم البكم العمي الذين لا يعقلون ولا يرجون. ولا حول ولا قوة إلا بالله.