اعتراف المعلّم بالخطإ أمام التّلميذ

عبد اللطيف علوي 

من الأشياء الّتي اختلفت فيها دائما مع بعض المتفقّدين وزملاء التّدريس، ومن يتحدّثون في أمور البيداغوجيا عموما، مسألة اعتراف المعلّم أو الأستاذ بالخطإ أمام التّلميذ، وتراجعه عن ذلك إن وقع فيه، سواء كان المقصود بالخطإ خطأ معرفيّا (معلومة غير دقيقة مثلا أو خاطئة) أو خطأ سلوكيّا في التّعامل مع التلاميذ (كأن يظلم تلميذا في التّقييم أو يتسرّع في معاقبته دون تبيّن الحقيقة وما إلى ذلك…).

اعتراف المعلّم بالخطإ أمام التّلميذ

الشّائع لدى كثير من هؤلاء، وما يدافعون عنه باستمرار، أنّ ظهور المعلّم بهذه الصّورة أمام التّلميذ أمر Anti-pédagogique، هم يحبّون أن ينطقوها هكذا بالفرنسيّة لأسباب نفسيّة، على اعتبار أنّ هذا يهزّ من ثقة التّلميذ في أستاذه أو معلّمه ويجعله أقلّ استعدادا لتقبّل المعلومة وما إلى ذلك…

أنا كنت أرى الأمور بشكل مختلف، وممّا أعتزّ بتذكّره وذكره دائما، جملة أُبْلِغتُها وكان يردّدها كثير من تلاميذي في غيابي، وهي:”سيدي علوي هو المعلّم الوحيد اللّي ديما كي يغلط في حقّ واحد فينا يطلب منه السّماح!”.

لا أدّعي أنّني الوحيد على كلّ حال فالمسألة فيها نظر، ولكن ما يهمّني قوله هو التّالي:
بقطع النّظر عن الأخطاء العلميّة الّتي كنت أجتهد كثيرا في أن لا أقع فيها، فإن حدث سهو أو تسرّع أصلحته على الفور أو حال التّفطّن إليه، وخاصّة حين ينبّهني إليه أحد التّلاميذ، عندها أشكره وأمتدح يقظته على الملإ، وأذكّر بالقاعدة كي لا يظنّ التّلاميذ أنّني أخطأت جهلا بها، وإنّما الكبار مثل الصّغار، والمعلّمون مثل مثل المتعلّمين، يقعون في الخطإ إذا سهوا أو تسرّعوا أو استسهلوا الوضعيّة الّتي يعالجونها، ويكون ذلك بابا واسعا لزرع فضيلة التّواضع في أنفس التّلاميذ بشكل عمليّ تطبيقيّ، دون الحاجة إلى الكثير من الشّعارات أو المواعظ والقواعد المملاة.

قلت إنّه بقطع النّظر عن ذلك، كان يحدث أن أخطئ، كما يخطئ كلّ البشر، في حقّ أحد التّلاميذ، أتسرّع في عقابه مثلا أو في معاملته بشكل يحرجه أمام رفاقه، دون قصد… أشهد اللّه أنّني كنت حين أنتبه إلى خطئي، أتوجّه إلى التّلميذ بالاعتذار، وأقبّل جبينه، ولا أتركه حتّى يرضى!

قد أكون ظلمت آخرين في مسيرتي عن غير قصد، ولسبب أو لآخر لم أنتبه إلى ذلك في لحظته أو أنّهم لم يحسنوا الدّفاع عن أنفسهم، وهذا طبيعيّ بالنّسبة إلى الأطفال، وقد يكون فات الأوان لأعتذر منهم مباشرة عن أيّ أذى سبّبته لهم، ولكنّني أؤكّد لهم في النّهاية، أنّني لو قابلت أحدهم وأنا في مثل هذا العمر، وهو في مثل ماهو عليه من عمر النّساء أو الرّجال، وأسرّ إليّ بشيء بقي في نفسه تجاهي لم تداوه الأيّام ولا النّسيان، لقبّلت رأسه أمام العالم كلّه، واعتذرت له.

هل أنا أقول هذا الكلام من باب تمجيد النّفس!؟ تافه وبليد (بليد العقل) من يظنّ ذلك!
لقد قضيت زمني ولم أعد أبتغي سوى حسن الختام ! j’ai fait mon temps
شبعت واكتفيت من كلّ ما يشبع غرائز البشر، الدّونيّة والسّامية، شبعت بعبارات الشكر والمديح حتى بشمت، فلم تغرّني ولم ترفعني شعرة واحدة فوق ما أعلمه من نفسي، وشبعت بعبارات الذّمّ والهجاء فلم تنزلني شعرة واحدة تحت ما أعلمه من نفسي!

الحكاية وما فيها أنّني ربّما أشعر أنّني مازلت أمارس دور المعلّم في هذه الحياة، أو ربّما هو قرب النّهايات، يدفعنا أحيانا إلى اعترافات أخطر من ذلك 😏، ولذلك يجب على من كان مثلي أن يكفّ عن السّهر والكتابة في مثل هذا الوقت المتأخّر من اللّيل!
إنّه وقت خطير!

Exit mobile version