استنزاف عبد الله بن سبأ
أحمد الغيلوفي
من لم يفهم في هذه الأيام لن يفهم ابدآ: عندما يخصّصُ إمام المسجد النبوي صلاح البدير خطبة كاملة يختمها بالدعاء على مظاهرات الأردن أمام سفارة العدو ويحرض ضدها بينما يُحرم ذكر غزة في السعودية.
حلفاء “إسرائيل”
وعندما تطلق السعودية ذبابها الإلكتروني للتحريض على نفس المظاهرات بينما يقبض على من يرفع علم فلسطين، وعندما يصرح مسؤول إماراتي رفيع “إن معارك التنظيمات (إشارة الى الأحزاب المنظمة للمظاهرات) ضد الدولة الوطنية العربية ابعد ما تكون عن خدمة فلسطين”، فاعلم يا مؤمن أن هذا لا يدخل في باب العجيب ولا الغريب: هؤلاء هم اقوى حلفاء “إسرائيل”، ويعلمون أن حياتهم وموتهم رهينتان ببقائها، وهي تعلم أيضا أن بقائها رهين ببقائهم.
أما العجيب والغريب فهو ما يلي: أن يكذب علينا هؤلاء الخليجيون دوما نفس الأكاذيب ويجدون من يصدقهم: يُهرولون الي التطبيع سرا وجهرا، ويمدّون العدو بالأغذية، ويسقطون الصواريخ اليمنية المتجهة نحوه، ويقولون أن المظاهرات الداعمة لفلسطين تخدم “إسرائيل” لذلك يجب ضربها بيد من حديد. بل هناك لواء سعودي حرّض بما يلي “على الأردن أن تطلب من السعودية المساعدة في فض الشغب كما حدث في البحرين أيام الربيع العبري”. لم يقترح أن تذهب القوات السعودية لإنقاذ إخوته في الدم والدين والإنسانية في غزة من الإبادة، بل اقترح سحق من يتظاهر نُصرة لهم. وليس “العبري” من يطبّع مع عدو مُتهم عالميا بجريمة إبادة، وإنما “العبري” هو من يتظاهر لتحرير إرادته من أنظمة تنام مع العبري.
لماذا كلما ارد هؤلاء السيطرة على الشارع اظهروا قصة “العبري”؟ هؤلاء مُدرّبون جيدا من طرف خبراء درسوا الذهنية العربية عبر التاريخ: لدى العربي دوما فوبيا من يهودي يقوم بمؤامرة ضده، وهذا منذ قصة عبد الله بن سبأ، الذي ينسب له مؤرخو السنة الحيّلة التي أدت الي تفجير “الفتنة” التي قُتل فيها عثمان، وهو من تسبب في معركة الجمل، وفي الفتنة بين علي ومعاوية. ومن يومها كل ثورة على الحاكم هي فتنة قام بها عبري: كان لابد من البحث عن برنار هنري ليفي وتصويره مع “الثوار” الليبيين حتى تترسخ رواية “الربيع العبري”، وكان لابد من نفس برنار هنري ليفي وحشره في ملف التآمر على امن الدولة في تونس حتى يصبح المستهدف من التآمر ،والذي يرفض قانون تجريم التطبيع، وطنيا مقاوما لما هو “عبري” ويصبح “المتآمر” خائنا وعميلا لإسرائيل.
هكذا يتم التلاعب بالعقول البسيطة: من يطبع مع إسرائيل “وطني” ومن “جبهة الصمود والتصدي” ومن يتظاهر ضد إسرائيل عميل لإسرائيل.. والدليل انه مستعد لسحق مظاهرات الأردن كما سحق اعتصام دوار اللؤلؤة واعتصام رابعة.. حتى لا تستفيد إسرائيل التي يرسل لها الأغذية التي يمنع مرورها من معبر رفح فلا تصل للفلسطينيين. كل هذا لكي لا تستفيد إسرائيل.