أبو يعرب المرزوقي
- أربد اليوم المناظرة بين الموقفين الرسمي والشعبي الغربيين والعربيين مما يجري في فلسطين وتفاعل الموقفين في الحالتين إذا قسناه بمقدار تأثير الشعبي في الرسمي. والهدف هو البحث في المنتظر في التاريخ المديد بالقياس إلى التاريخ القصير. فالتأثير في الأول أهم منه في الثاني لتحديد المآل.
-
ولما كان موقف الغرب قابلا للتقييم إذا قارنا ما جرى منه في الهولوكوستات الكثيرة التي عرف بها وسأكتفي بالذي كان متعلقا بلوبانة (علكة) يهود العالم التي يظنونها كافية لابتزاز العالم وتبرير الهولوكوست الذي تجازي به من حموها من الهولوكوستات الغربية المتعددة في تاريخهم الدال دورهم فيه.
-
فيعسر أن يصدق المرء توالي الهولوكوستات في كل تاريخ اليهود من دون أن يكون في الأمر إنّ: إذ يعسر أن يجمع كل من إضطهدوهم فعلوا ذلك من دون أن يكون في سلوكهم بعض من علله إذ يصعب أن يعاديهم كل من عاداهم لمجرد كونهم يهودا.
-
ولست أقول ذلك لأبرئ مضطهديهم وخاصة في الغرب وخاصة من المسيحيين بكل طوائفهم في كل تاريخ الغرب ويكفي ذكر الاثنين الأكبرين اللذين حماهم فيهما المسلمون أي هولوكوستهم الكاثوليكي في الأندلس (مع المسلمين) ثم في ألمانيا وكانت نتيجته تمكينهم من الانتقام من بعض من حموهم لا ممن إضطهدوهم.
-
ولم أقل ذلك لأني اعتقد أن الغربيين يفعلون ذلك تكفيرا عن الهولوكوستات ضد اليهود ولا حتى انتقاما من المسلمين الذين صمدوا في مقاومتهم حتى أوصلوهم إلى فقدان إمبراطورياتهم التي كانت بالأساس في أرض الإسلام في إفريقيا وآسيا وفي كل أنحاء العالم منذ أن نشأت الخلافة إلى نهايتها بتقاسمها.
-
وعد بلفور وما أعد له في مشروع سايكس بيكو كان ضربا لعصفورين بحجر واحد: التخلص من يهود أوروبا ثم استعمال اليهود لخدمة المشروع الإمبراطوري المثلث الإنجليزي والفرنسي والروسي (الذي توقف بعد الثورة) ثم عوتهما أمريكا والسوفيات بعد الحرب الثانية. ولا يزال الأمر على ما هو عليه إلى الآن.
-
ذلك أن أوروبا انكفأت ولم تعد قادرة على شيء وخاصة الآن بعد عودة قوة روسيا لأنها بالتدريج وخاصة بعد خروج بريطانيا من الوحدة (الوحدة الأوروبية) صارت أشبه بجامعة المحميات العربية رغم كذب قيادات فرنسا على أنفسهم لأنها لا تستطيع دخول حرب تتجاوز فيها أقل من أسبوع ثم تنهار فتضطر لاستعمال النووي لتزول تماما.
-
فليس ضروريا أن يكون من يحاربها مالكا للسلاح النووي فبوسعه بالصواريخ العابرة أن يفجر كل ما لديها من مفاعلات نووية غير عسكرية حتى يضربها بسلاحها الذي يتوزع على جل أرضها: ومن ثم فسلاحها النووي لا يخيف أحدا سواء ملك النووي أو لم يملكه.
-
لماذا هذا الاستطراد؟ لأن الوضعية التي تفسر الموقف الأوروبي الرسمي يشبه ما حصل لما سكت الأوروبيون على الهولوكوست النازي بل وشاركوا فيه كلهم كما يشاركون حاليا في الهولوكوست الإسرائيلي في فلسطين: “بار لاشوتي= جبا وخذلانا” وهو ما بدأ يتضح في أكرانيا: فعل بوتين = هتلر في أكرانيا.
-
نفس هذا الموقف يقفونه من فلسطين: ناتنياهو وحلفه مع بن فقير وسموترش = هتلر في فلسطين. والموقف الجبان والخاذل من نفس طبيعة ما حصل قبل الحرب العالمية الثانية. سكتوا على هتلر خوفا من السوفيات ويسكتون على إسرائيل خوفا من انتصار الفلسطينيين رمزا لإنهاء آثارهم في المشرق والمغرب.
-
سيعترض “الأذكياء” من المحللين العرب: آش تخرف يا أبو يعرب ما علاقة هذا بذاك؟ ورغم أن العلاقة لا يعمى عنها إلا فاقدوا البصير، فلأبينها: إذا هزمت إسرائيل ستتبها إيران وعلى عملائهما من حكام العرب وهم يعتمدون عليهم ثلاثتهم وحاميهم لمنع الاستئناف ونهاية سايكس بيكو إذا انتصرت فلسطين.
-
فانتصارها يعني سقوط عملاء إسرائيل وأمريكا وسقوط عملاء إيران وروسيا فيتحرر العراق وسوريا ولبنان والأردن ومصر وكل الخليج وعندئذ فإن أقل ما يمكن أن يترتب على ذلك هو تحول الجامعة العربية من جامعة العملاء إلى جامعة يقودها جنساء تحرير فلسطين في كل قطر عربي سلميا دون حرب أهلية.
-
ذلك هو عين ما تخشاه أوروبا وروسيا وأمريكا وأدواتيهم أي إسرائيل وإيران والعملاء من حكام العرب. لذلك فالهولوكوست الفلسطيني تكن هي علته. والأمر الآن أن أمر إلى ما يتجاوز هذا التاريخ القصير إلى التاريخ المديد وبه سأنهي المحاولة: فسرديات أعداء فلسطين كلها تساقطت عند كل شعوب العالم.
-
وما يعنيني هو تساقطها في الغرب نفسه وفي بقية العالم حتى وإن كان الخوف ما يزال في نفوس الشعوب العربية ليس من إسرائيل بل من العملاء الذين نصبهم الاستعمار الغربي والشرقي في كل أقطار جامعة الحكام العرب. لذلك فموقف شعوب الغرب حاليا اكثر شجاعة من شعوبنا من الماء إلى الماء دون استثناء.
-
فيكون الفرق بين الموقفين الرسميين معدوما ولا يوجد إلا بين الموقفين الشعبيين. ويحتاج كلا الموقفين إلى إعطاء الوقت للوقت حتى تترجم المواقف بثمرتها التي هي من طبيعتين مختلفتين: واحدة تحكمها دخول الشباب والنخب في الانتخابات غربيا والثانية تحكمها دخول الشباب والنخب في الثورات عربيا.
-
دخول شباب الغرب ونخبه في الانتخابات قد يتطلب وقتا اقصر من دحول شباب العرب ونخبهم في الثورات: لذلك تكلمت على التاريخ المديد. لكن الدخولين آتيان لا ريب فيها ومن ثم فنهاية النكبة قربت وبوسعي أن أبشر متفائلا بأن الاستئناف انطلق.