أبو يعرب المرزوقي
1. عطفا على ما بينته في تغريدات الأمس حول الاستثمار في دم الفلسطينيين عند القطبين وتدخل مكر الله الخير فيه فإني أريد اليوم أن أبين أن ما حققه الطوفان يجعل الأمة بل والإنسانية في ما تصفه عبارة “النصر صبر ساعة”: فسلطان العجل قد انهار في موطنه: افتضاح سلطان ربا الأموال وربا الأقوال.
2. فالسامري الغى مفهوم الرب في رسالة موسى واستعاض عنه بدين العجل: وهذا الدين جعل الإنسانية مستعبدة برمز العملة (الذهب الذي هو معدن العجل) وبرمز الكلمة (الخوار الذي هو أقوال العجل): والأول هو ربا الأموال والثاني هو ربا الأقوال أي البنك والإعلام المسيطرين على العالم كله بما فيه الغرب.
3. حصيلة الهزيمة التي أسقطت كل سرديان الصهيونية ومعها الصفوية ومن وراء الأولى (القطب الغربي) ومن وراء الثانية (القطب الشرقي) هي الوعي الحاد الذي جعل كل شباب الغرب يدرك أنه يعاني من نفس الوضعية التي يعاني منها العالم الذي تسيطر عليه المافيات العالمية بالمال الفاسد والإعلام المضلل.
4. أهم نصر حققه الطوفان هو جل البشرية كلها تدرك أنها في وضعية غزة فأدركت أن المشكل ليس مقصورا عليها بل هي البؤرة التي تعينت فيها ذروة الأدواء كلها: الصهيونية تحتلها ماديا تستعمرها لاسترداد إمبراطورية داود والصفوية تستغلها رمزيا بجعلها غطاء على مشروعها في استعادة إمبراطورية الأكاسرة.
5. وما كانت الصهيونية تكون قادرة على ذلك لو لم تكن قبل ذلك قد سيطرت على الغرب بدين العجل أي بربا الأموال (المال الفساد انهى الديموقراطية) وربا الأقوال (والإعلام المضلل يضفي الشرعية عليه): سلطان اللوبيات على المؤسسات السياسية في الأعيان وعلى القيم الخلقية في الأذهان لاستعباد الإنسان.
6. وما كانت الصفوية تكون قادرة على احتلال الهلال كله واليمن بحجة التصدي للصهيونية بالصفوية التي تدعي السعي لتحرير فلسطين غطاء على احتلال العراق وسوريا ولبنان واليمن وجل محميات الخليج لولا هذا الغطاء بتمثيل آل البيت في الظاهر وآل بيت كسرى في الباطن مع إحياء الفتنة الكبرى الدائمة.
7. والفرق الوحيد بين الصهيونية والصفوية هو في الترتيب بين ربا الأموال وربا الأقوال: فالصهيونية يتقدم فيها ربا الأموال ويسنده ربا الأقوال والصفوية يتقدم فيها ربا الأقوال وتحاول الوصول إلى ما يعوض ربا الأموال بضرب العرب بالعرب بحيث إنها تمول حربها على بعضهم بأموال بعضهم لغبائهم.
8. الصهيونية هي بدورها لا تنفق من مالها بل هي تنفق من مال الغرب وفي النهاية مما يسرقه الغرب من العالم الثالث ومن الإتاوات التي تدفعها المحميات العربية للغرب ولللولبيات الصهيونية التي تتوسط لها عند حماتها من الغرب: ويكفي أن كل قواعد الغرب في ارض العرب يمولهما العرب: يمولون احتلالهم.
9. وطبعا فمحتل أرضهم الذي يمولونه يحميهم من أمرين: الأول من شعوبهم والثاني من أجوارهم من العرب. فكل محمية عربية تحتاج للقواعد الغربية لأنها تحتمي من شعوبها ومن المحميات العربية الأخرى. بعضها تمول إسرائيل لتحميها من إيران وبعضها تمول إيران لتحميها من إسرائيل: فرق بين الخليج والهلال.
10. فلماذا يحتاج كل العرب إلى حماية يستمدونها من أعداء الأمة؟ وأقول كل العرب لأني لا أستثني أيا من الـ22 محمية؟ ولماذا الاحتماء له مستويان: مستوى الشرطيين في الإقليم (إسرائيل وإيران) ومن وراء الشرطين الغرب والشرق؟ للأمر علاقة بما يخيف الأنظمة التي تشعر بعلتي الخوف: من شعبها ومن جارها.
11. ما علاقة كل هذا بعنوان هذه التغريدات: نهاية اللعبة لأننا في ساعة الصبر الأخيرة. فالطوفان أثبت حقيقتين لم يعد بوسع أحد المنازعة فيهما. -1- لم تعد شعوب الغرب تصدق سرديات إسرائيل ولم يعد المسلمون يصدقون سرديات إيران. -2- وانعكس الأمر في الصدام بين القطبين: “الاستثمار في فلسطين وفي أكرانيا.
12. فهم القطب الغربي أن الشرق يستفيد من إطالة الحرب في فلسطين كما يستفيد هو من إطالة الحرب في أكرانيا. وقد بدأ الغرب يفهم ذلك منذ حتى ما قبل الطوفان لما خرج من أفغانستان إذ فهم أن معاركه في دار الإسلام ضيعت عليه فرصة الاستعداد لمنافسيه -الصين وروسيا- وهو دونكيشوت يحارب نواعير الهواء.
13. لكن الطوفان جعله اكثر وعيا بذلك. صحيح أنه يواصل المغالطة فيريد أوسلو ثانية واقصى من يمكن أن يعد به هو محمية عدد 23 في جامعة الأنظمة أي محمية عديمة السيادة مثل الـ22 الحالية -لكن هيهات: فهشاشة إسرائيل باتت ثابتة وهو لن يستطيع حمايتها ناهيك عن حماية المحميات: عملاق الإسلام استيقظ.
14. ذلك هو القصد “بصبر الساعة”. صحيح أن التضحية الفلسطينية مهولة. لكن لا يمكن بعدها التوقف قبل تحصيل ثمرتها. لن تستطيع إسرائيل ربح الحرب مهما فعلت. فمن ضحى بما يربو عن مائة ألف شهيد لا يمكن أن يتوقف من دون الثمرة حتى لو تضافت التضحيات. فهل كان أي شعب يتحرر لو توقف في نصف الطريق؟
15. فما لا يخالجني فيه أدنى شك هو أن استئناف دور الأمة الكوني قد بدأ وأن القدس ستكون عاصمة الإسلام المقبل كما كانت المدينة. فمسرى الرسول هي التي ستكون عاصمة الإسلام المقبلة وشرطها تحقق أي نهاية السرديتين الصهيونية والصفوية ومعهما أنظمة العرب بصفيهما العميل لإسرائيل والعميل لإيران.
16. لم يبق لهم خيار: فلا الشرطيان ولا من وراءهما -الغرب لإسرائيل والشرق لإيران- يمكن أن يوقفوا استيقاظ العملاق الإسلامي الذي الدليل عليه هو أن مجموعة صغيرة في قطعة صغيرة من داره تمكنت من تحقيق معجزتين: بيان هشاشتهما وبيان كونية القيم التي تدافع عنها بحيث إن البشرية كلها استيقظت بحق.
17. لم يعد احد غير الجيل الأخير من أعداء الإسلام في الغرب وفي الشرق يحلمون بالسيطرة على أمة القرآن لأن قيمه وخاصة ثورتيه على ربا الأموال (الله نفسه اعلن الحرب على الربا) وربا الأقوال (اكثر شيء مقتا عند الله قول الإنسان ما لا يفعل): تحرير البشرية من بعدي دين العجل: سلطان العملة والكلمة.
18. هتان الثورتان ضد فاسد الأموال ومضلل الأقوال لم تبقيا ثورة خاصة بالإسلام بل كل شباب الغرب وفضلاء مفكريه بدأوا يدركون قيمة هذين العاملين المستعبدين للإنسانية كلها غربيها وشرقيها وذلك ما تجد به الإنسانية الحالية لمعركة الطوفان في غزة.
19. فليس بالصدفة أن صار أكثر من 70 في المائة من شباب الغرب وفضلائه ضد دين العجل الذي تحكمهم به مافيات البنك والإعلام اللذين يستعبدان الإنسانية في العالم كله بحيث إنهما يمثلان ما زعمه ماركس في الأديان التي تتحول إلى أفيون الشعوب التي ترتهن لسلطان البنك الربوي ولسلطان الإعلام المضلل.
20. أكاد اجزم بأن عيد الفطر سيكون نهاية اللعبة كلها: توقف الحرب المؤقت خلال شهر رمضان ستكون بداية لتوقفها النهائي وستنهار حكومة هتلر إسرائيل وفاشيتها وستضطر أمريكا لطلب الوقف النهائي للحرب لأنها هي الخاسرة من إطالتها: صبر ساعة والنصر آت لا ريب فيه.
ملاحظة ختامية:
لماذا ذكرت أن عدم مشاركة الأنظمة العربية في الحرب اعتبرتها من رحمة الله بالإسلام والمسلمين. فلو شاركوا لكانت النتيجة أسوأ من 48، فالمشاركة ستؤول إلى إفشال ثمرتي ما تحقق:
فقد كان ذلك يكون كافيا للقضاء على كل ما حققه الطوفان من بيان هشاشة إسرائيل العسكرية بتبرير حاجتها إلى كل ما فعلته من أخطاء تبدو تكتيكيا نجاحا وهي أسس هزيمتها الاستراتيجية الحالية لأنها فقدت التعاطف الدولي وإن كان أثر هذا الفقدان لم يثمر إلى الآن. وسيثمر.
وقد كان ذلك يكون كافيا للإبقاء على كل سردياتها بمعنى أن العالم كله كان سيتعاطف معها ويشيدون ببطولتها في التصدي لأكثر من نصف مليار مسلم كلهم كأف في حين أن ما حصل هو العكس تماما أي إن إسرائيل ومن سنادها صاروا كأف أمام حركة مقاومة مؤمنة وقد تخلى عنها الجميع.
لم يعد المشكل مشكل عديد ولا حتى عدة بل هو مشكل صواب الرمي بالقوة العسكرية والقوة الخلقية: فقد تبين ما يعنيه الإيمان والصبر في المقاومة وعدم الاعتماد على غير الله والذات: فما كانت حماس تقدم لو لم تكن متيقنة من كل ما حاولت وصفه في تغريداتها.