الأحزاب.. فطام ووئام …
سامي براهم
عقد حزب العمل والإنجاز مؤتمره الأوّل تحت شعار “الثّبات والبناء” وقد تواتر في كلمات المتدخّلين أنّ عقد مؤتمر حزب جديد هو رسالة رمزيّة تعبّر عن بطلان دعوى نهاية الأحزاب ودورها في بناء الحياة السياسيّة وإدارة الشّأن العامّ.
من المداخلات اللّافتة كلمة الأمين العامّ لحركة النّهضة الحزب الأمّ الذي انفصل عنه جزء من مؤسّسي الحزب الوليد، حيث أشار في غمزة لطيفة إلى صعوبات المخاض والولادة والفطام… واستعرض المشتركات بين الحزبين ودعا للحوار وتوحيد الجهود وصياغة ميثاق أخلاقيّ ومدوّنة سلوك بين الأحزاب لتغيير موازين القوى في البلاد…
وعبّر عن تمنّياته للحزب بالمثابرة والمواصلة والقوّة كما عبّر عن اهتمامه بأعمال المؤتمر الذي يتابع مجرياته ومخرجاته بشكل خاصّ…
اللّافت أنّ هذه المداخلة تلقى في مؤتمر مؤسّسوه هم جزء ممّن كانوا ينتمون للحزب الذي يلقي أمينه العامّ مداخلته قبل أن يستقيلوا بعد عرائض ونصوص عبّروا فيها عن مواقف نقديّة تجاه حزبهم الأمّ الذي ناضلوا صلبه عقودا من الزّمن… ثمّ اختاروا الانفصال وبناء تجربة جديدة… وعاشوا تحدّيات المخاض والولادة ويعيشون تحدّي قطع الحبل السرّي بين التّجربتين واستحقاقات الفطام…
الصّورة الرمزيّة اليوم جمعت بين أمينين عامّين لحزبين كانا شريكين في النّضال في نفس التّجربة الحزبيّة اختار أحدهما أن يواصل نضاله صلب حزبه واختار الآخر بناء تجربة جديدة يستضيف في مؤتمرها التّأسيسي ممثّل الحزب الذي استقال منه…
هي صورة معبّرة وغير معهودة في واقع العمل الحزبي الذي تكون فيه الاستقالات والانشقاقات مثيرة للخصومات والعداوات ومفضية للقطيعة والتّنافر…
يبقى على هذا الحزب الوليد أن ينجح في استحقاق الفطام وأن يثبت تمايزه وتميّزه عن التّجربة الأمّ وأن لا يعيد إنتاج نفس أخطائها التي بسببها كان الانفصال…
وبنفس القدر على الحزب الأمّ أن يستوعب الدّرس ويفهم الأسباب التي دعت قيادات وازنة ومؤثرة أن تقدم على الانفصال البائن وبناء تجربة جديدة.
وتبقى الأحزاب مهما اعتراها من انتكاسات وتعثّرات وانحرافات أساسا لبناء الحياة السياسيّة وصناعة الوعي السّياسي وتنمية الخبرات والتّجارب وتطوير الكفاءات القادرة على إدارة شؤون الحكم… ضمن شروط أخلاقيّة ومعايير قيميّة تميّز بين الزّبد الذي يذهب جفاء وما ينفع النّاس الذي يمكث في الأرض…