أسد أوروبا…

نصر الدين السويلمي

تدفق الإسلام إلى قلب يوبولد وايس عام 1926 حينما كان يقرأ ترجمة سورة “التكاثر” وقد كتب عن انطباعه بعد قراءة السورة: هذه ليست حكمة رجل عاش في الجزيرة العربية بالقرون الخوالي.. إن صوت القرآن أكبر من أن يكون صوت محمد “صلى الله عليه وسلم”.

في مثل هذا اليوم 20 فيفري من العام 1992 غيّب الموت الداعية الأوكراني ليوبولد فايس رحمه الله.
يقع مسجد فيلمسدروف في العاصمة الألمانيّة برلين.
من أقدم المساجد في ألمانيا تأسّس سنة 1924.
احتضن المسجد كتابة أوّل عقد زواج إسلامي سنة 1934 بين مسلمين ألمانيّين اعتنقا الإسلام، الزّوج عبد الله داير والزّوجة فاطمة أدارش.
أوّل إمام للمسجد تمّ تعيينه سنة 1925 واسمه!!! دعونا من اسم الإمام ومن أسّس المسجد ومن موّل ومن اقترح ومن ساعد…

لا نحتاج هذا الآن، فقط نحتاج الوصول إلى سنة 1926، في هذه السنة دخل الكاتب الصّحفي الأوكراني الشّاب ليوبولد فايس إلى مسجد فيلمسدروف فخرج منه بعد شهادة التوحيد باسم محمد أسد…
نعم محمّد أسد الذي اختاره الله إلى جواره في مثل هذا اليوم هو مدار اهتمامنا وليس مسجد فيلمسدروف الذي لا شكّ يحتاج إلى وقفة بل وقفات.

محمد أسد

ولد محمّد سنة 1900 ميلادي في مدينة لفيف الأوكرانيّة “الإمبراطورية النمساوية المجرية سابقا” لأسرة يهوديّة متديّنة وتوفي سنة 1992م.. تسعة عقود وتزيد فعل فيها الفتى النّمساوي الكثير للإسلام، ومهما عدّدنا خصاله في مكّة والمدينة وطنجة المغرب ومصر وباكستان وتحدّثنا عن سنواته السويسريّة التي اختلى فيها وعكف على البحث والتأليف، ومهما قلنا عن سجالاته في القدس ومقالاته الطويلة التي حذّرت من المشروع الصّهـيــوني..

سيبقى أهمّ إنجازات محمد أسد إسهاماته الكبيرة مع محمد إقبال في التمهيد لتأسيس دولة باكستان. التقى محمد أسد الذي أسلم في برلين ألمانيا بمحمد إقبال الذي حصل على الدكتوراه من ميونخ ألمانيا، ورحل محمد الباكستاني قبل أن يشهد ميلاد حلمه، وقبل رحيله أقنع محمد الأوكراني بالبقاء والعمل على مساعدة المسلمين لتأسيس دولتهم التي سمّاها إقبال باكستان فكانت كذلك.

ولمّا استقلت باكستان عام 1947 وتقديراً لجهوده وتأييده لإقامة دولة إسلاميّة منفصلة في شبه القارّة الهنديّة تمّ منح محمد أسد الجنسيّة الباكستانيّة وتمّ تعيينه مديراً لدائرة إعادة الإعمار الإسلامي. وفي وقت لاحق التحق بوزارة الشّؤون الخارجيّة رئيساً لوحدة شؤون الشّرق الأوسط عام 1949، ثمّ تقرّر تعيينه بمنصب مبعوث باكستان إلى الأمم المتّحدة في نيويورك عام 1952… اختار بعد ذلك التفرّغ للكتابة، وألّف:

وفي ترجمته معاني القرآن إلى الإنكليزيّة قال إنّ “اليهود حرّفوا معاني كتابهم”، وإنّ “البشارة بمحمّد ما زالت في النّسخ الحاليّة”؛ وساق سفرَ التثنية 18:18 كمثال من العهد القديم.

أسلم عن 26 سنة.. اختار اسم محمد.. أسلمت زوجته.. سافر.. درس.. كتب.. ألّف.. ساجل.. نافح.. وقبل كلّ ذلك هل تدري ما هي بصمته الفاقعة التي تركها أو لنقل سبقته إلى هناك في سجلّه؟! لقد أسهم في تأسيس دولة تعدّ اليوم 220 مليون نسمة.. وأجمل من كلّ ذلك أنّ محمد إقبال ومحمد أسد من أمّة محمد بن عبد الله صلّى الله عليه وسلم.

ملحوظة: في كتابه الطريق إلى مكة، تناول محمد رحلته من الحجاز إلى صحراء ليبيا للالتقاء بعمر المختار، في رحلة طويلة شاقة، انتهت بالتقاء أسد الصحراء بأسد أوروبا، لقاء العمالقة وخاصة وصف أسد للمختار يستحق الاطلاع عليه.

Exit mobile version