الخال عمار جماعي
حين خرج عبد الله المعياري من قيلولة فاترة ونظر من الباب ليستجليَ العالمَ، رأى أنّ الظلّ مازال قصيرًا لينهض بالملمّات ويقوم على سوقه،
ولكنّه كره المكوث عند العجوز ومواعينها وأزعجه طنين الذّباب.. مسك كتابه وقام ينظر فيه ويرفع حاجبَه كالمتعجّب ويلقي بطرفه كلّما رفع رأسه ناحية الباب مستعجلاً امتداد الظلّ حتى لمح جحشًا أدغمَ يتشمّم تراب مجلسه ثمّ يرتخي متمرّغا، رافعا قوائمه، متلذذا.. صاح به غاضبًا: “إذهب من ثمّ يلعن بو مولاك”.. وجد عبد الله الآن سببا وجيها للخروج فأسرع نحوه ملوّحا بكتابه.
لمّا نهض الجحش وسار غير آبه بعبد الله بحث عن حجر ثمّ عدَل قائلاً: “حتّى الجحوشة معادش سالمين منهم في ها البرّ الأحرف !”.. ثمّ سار نحو المَراغة يتفقّد مجلسه ويحمد الله أنّ الجحش لم يدنّسه بروث ولا بول.. فتربّع منتظرا جُلاّسه قلقا. فقد عنّ له أمر لم يصبر عليه وجده بلا شكّ في الكتاب بين رفع حاجب وانزال آخر. فعلمُ المعيار هذا لا تنتهي عجائبه وعبد الله ثقّاب لؤلؤ!.. حتى قال وهو يطوف بنظره: “تي وينكم يا كوازي؟!..”.
حين امتدّ الظلّ بمقدار ما يجعل “الكوازي” يخرجون إليه، تظاهر عبد الله بقراءة كتابه كأنّه غير مهتمّ، فقد حزّ في نفسه أن لا يأبه له الجحش ومازال في قلبه شيء منه!.. حين تحلّقوا به خاضعين لسلطانه فتح كتابه وتمهّل ريثما يستحثّونه ولكنّ “ذلك الأمر” لم يمهله فقال: “تعرفوا الشّبردق؟”.. تناظر صحبه ولوَوا أعناقهم.. نجح عبد الله في تحفيز فضولهم. قال أحدهم: “ما يكون الشّبردق كان…” وتضاحك! فزاد ذلك في حنق عبد الله وانغمس في كتابه. قال: “الشّبردق هو هاك الحديد المشوّك اللي يحوّطوا بيه قَبل الفرنسيس والطليان خلق ربّي ويردّوهم كيف البهايم في الزرايب.. هاضة أمس، اليوم هاهو الشّيركو محوّطنا من كلّ جيهة وجانب” وضرب فخذه متحسّرًا..
قال أحدهم متقعّرا وغمز بعينه: “توة هذا كيفَ يدخل في المعياريّة؟”.. فاتت الغمزة عبد الله المعياري فقرأ جادّا: “وقت الذي تشعروا بالخوف من قولة “لا”.. ومرعوبين من عصا الحاكم.. ومفجوعين من كلّ دقّة باب.. وشادّين الصفّ فلا شكّ أنّ الشبردق داير بيكم وأنتم لا تشعرون”.. فقال صاحب الغمزة: “صدق الله العظيم”!
رحى عبد الله أسنانه وقال: “هاك الجحش الأغمّ منهو مولاه ؟” قال الغمّاز: “متاعي.. ولد بهيمتي الغمّاء.. درا ما عرفتاش يا سي عبد الله؟!”.. فتبسّط وقال: “كيف سيدي كيف جحشه.. الحمد لله هاوينه لحّقلك سبّة من القايلة”..
وضحك ضِحك من شفى غليله ولم يضطرّه لدرّ بول عزيز عليه.
“الخال”