نور الدين الغيلوفي
1. بعيدا عن الصخب الإعلاميّ وفي إطار النضال الصامت، أصدر اتحاد الشغل يوم 14 فيفري بيانا، كأنّه أراد له أن يرد مغمورا بِعيد الحبّ مشمولا ببركات القديس فالنتاين، وقد كان بيانا مثيرا لشفقةٍ ظنّ أشاوس نضال “الوسعة” النقابي أنّهم جعلوها وراءهم بعد عشريّة العربدة السوداء. ولأنّ “الأيّام بأخواتها” فقد انقلبت عليهم الأحوال بما قدّموا لأنفسهم حين حوّلوا المنظّمة من مؤسّسة تحمي الناس إلى ماكينة “تفرمهم” كما تبجّح كبير لهم في تخميرة عنتريّة.. انقلبت عليهم الأحوال حتى صاروا “كمنديل العرس لا يجرح خدًّا”.
2. انفرد الاتحاد في زمان العشريّة بكلّ شيء وصار النقابيّون، حتّى هؤلاء الذين تسرّبوا من تجمّع بن علي، صاروا أشباه آلهة يَسألون الجميع ولا يقبلون مساءلة من أحد. عطّلوا العمل وأضرّوا بالإنتاج لتخريب الاقتصاد من أجل إرباك النظام السياسيّ الجديد، حتّى صار الوزراء والمسؤولون يرتعدون من نقابيّ صغير لا يعرف أحدٌ العملَ الذي ينجزه. وعون التنظيف الذي كان مخبر التجمّع في الزمن النوفمبريّ وضع على رأسه شاشيّة حشّاد وصار نقابيّا “يضرب يصرع” يقتحم على أعلى مسؤول بابه ويمعن في التنكيل به أمام مرؤوسيه.
3. حين كنت أكتب في نقد أداء القيادة النقابيّة الهوجاء دفاعا منّي عن منظّمة التونسيين مكسبِهم التاريخيّ، كان بعض المسؤولين يستغربون جرأتي. لم أكن أكتب ليقال شجاع، ولكنّ هؤلاء المسؤولين كانوا جبناء.. أسلموا أمر الدولة لنقابيين لا يملكون علما ولا أخلاق لديهم ولا رصيد لهم من كدح يشهد لهم. استعملوا قوّة الاتحاد في “البلطجة” وقطع الطريق، فذلّت لهم الرقاب اتّقاءَ شرورهم.. لقد صار النقابيون مستشارين للمسؤولين بالإكراه.. بل صاروا هم الآمرين الناهين.. يأمرون وينهون دون أن يكون لهم علم بأمر ولا بنهي. وقد همس لي، يوما، مسؤول جهويّ كبير بانزعاجه من عون في أسفل السلّم الوظيفيّ ولكنّه نقابيّ. قال لي: لقد نصحوني، حين استملتُ الخطّة، بأن أتجنّبه صاحبًا وعدوًّا، لذلك تراني أغضّ الطرْف عنه، فهو يفعل ما يريد ولا رادع له.
4. كنّا نكتب من موقع الغيرة على المنظّمة ومن منطلق الخوف على البلاد، لأنّنا نؤمن بالحرية للجميع وبحقّ السياسيين مهما كانت خلفياتهم الوطنية في أن يمارسوا مسؤولياتهم كما يريد الشعب لا كما يريد النقابيون، ولأننا نؤمن بأنّ النقابيين هم أسوة الكادحين في الكدح والتعب المُبين ودورهم أن يدافعوا عن الكادحين في إطار القانون الذي يحتكم إليه الجميع وينضبطون دون أن يتعدّى أحد على أحدٍ.
5. بعض القيادات النقابية، حتى المركزيّة، منها كانت تتّهمنا بشتّى التهم، ومنهم من كان يشيع عنّي، أنا مثلًا، أنّني مكلَّف بمهمّة تشويه الاتحاد. هؤلاء لم يكونوا قادرين على أن يفهموا أنّ مخالفَتهم في الرأي ونقدَ أدائهم لا يعنيان أنّنا معادون للمنظّمة أو للعمل النقابيّ. لم يدركوا أنّ للأمر زوايا أخرى تختلف عن زاوية نظرهم. ولم تتّسع صدورهم لمن لم يسلم لهم قياده.. وذلك لأنّهم كانوا يعلمون، جيّدا، أنّهم يستعملون ثقل المنظّمة في محاربة مخالفيهم الذين ظنّوا أنّ شرعيّة الصندوق تكفيهم ليحكموا. والحقيقة أنّ “شرعيّة” النقابيين كانت فوق كل الشرعيات. شرعية بلطجة ضاعت بسببها جميعُ الشرعيات، وحماقة انتهكت مختلِف التشريعات.
6. الآن، يجد اتحاد الشغل نفسه عاطلا عن كلّ شيء إلّا عن بيان هزيل لا يتجاوز الشكوى.. خرج، بفعل غباء قياداته وصلفها، من المعادلة وفقد كلّ قوته التي كانوا يتبجّحون بها. يتباكى، اليوم، هؤلاء لأنّهم لم يحافظوا على ما استؤمنوا عليه. ومن ضيّع الأمانةَ يكذب إن بكى.
الاتحاد، الآن، في حالة موت سريري في انتظار أن نقرأ في بعض الأعمدة خبر نعيه.. وموعد الصلاة عليه.
7. لن نقول لقيادات العمل النقابي إننا حذّرناكم فركبتم رؤوسكم ولم تسمعوا غير أنفسكم ولم تحذروا غباءكم.. نقول لهم فقط:
التاريخ لا يرحم، وقد اخترتم، طوعًا، أن تحشروا أنفسكم في الزاوية التي يلعنها التاريخ.
لقد اغتلتم حشّادا مرّة أخرى وخرّبتم المنظّمة التي ورثتموها عنه، ولن تقوم لها في زمان الانقلاب قائمة إلّا أن تتطهّر منكم.
لقد رضيتم بأن تكونوا ظهرا ركبه الانقلاب على الديمقراطيّة نكاية في حركة النهضة وفي ما تدعونه الإسلام السياسيّ. رقصتم للدبّابة تسدّ برلمان نواب الشعب المنتَخَبين، وزعمتم أنّه مسار للتصحيح ورضيتم بالجلوس على كرسيّه الخلفيّ. غير أنّ عربة الانقلاب بمجرّد أن اعتادت طريقها ألقت بكم على قارعة الطريق.
لقد انتهى بكم الأمر إلى أن صرتم أكبر ترجمان لعبارة “يفعل الجاهل بنفسه ما لا يفعل العدوّ بعدوّه”.
المستبدّون، لا يعترفون بأحد شريكا لهم لأنّهم لا يشركون بأنفسهم أحدا.
أمّا الظهور الواطئة فلبعض الركوب ثم تُدبَر حتّى لا يرثها من الراكبين أحد.