شرّ محض
نور الدين الغيلوفي
لا أظنّ أنّ الذين كتبوا في الشرّ تخيّلوا، يومًا، أن يفعل الإنسان بالإنسان ما تراه البشريّة من أعمال ترتكبها إسرائيل ضدّ الفلسطينيين. ولا أظنّ أنّ دولة متقدّمة تقف على قمة هرم التطوّر العلميّ والتكنولوجيّ قادرة على أن ترتكب ما ترتكب هذه الدولة المارقة في حقّ الإنسان.
في التاريخ صراعات كثيرة وحروب وجرائم وأعمال تنكيل.. لكن لا يمكن لعصابة مهما بلغ بها إجرامها أن تفعل ما يفعله الصهاينة في غزّة وفي كل فلسطين، ولا قانون يمنعها ولا ضمير يردعها. تحتلّ أرض الفلسطينيّين تفتِك بهم مثل طاعون من نار وتفتكّ ديارهم وأرزاقهم وتشرّدهم في كلّ الأرض، فإذا دافعوا الجريمة عن أنفسهم وسلكوا طريق تحرير أرضهم صبّت عليهم خلاصة الشرّ في الأرض، كأنّ الشيطان قرّر أن يجلب على أهل الأرض بالصهيونيّة التي جعل منها الآيةَ عليه.
الشرّ هذه المرّة كونيّ. ترتكبه إسرائيل في المستوى المباشر ويرتكبه الغرب المتطوّر الذي بلغ من التقدّم ما أوهمه بأنّه بات يمثّل محطّة ختام التاريخ. الغرب الذي يدعم هذه الجماعة الوظيفيّة هو الورشة التي يفرّخ داخلها الشرّ. كأنّ الغرب، بدعمه لإسرائيل، قد اتّخذ قرارا بأن يكون انغلاق التاريخ البشريّ على أبشع جريمة في التاريخ، جريمة تُدني من صيحة الفزع القياميّة بعد أن يضيق الخالق بإجرام المخلوق.
أمّا العرب، حكّامًا وشعوبًا، فق اختاروا، أن يشاركوا في الجريمة بالتواطؤ.. لينغلق بهم مربّع القاتل والقتيل والشريك والمتواطئ. وحتّى تكون المرارة عليهم أشّد فقد رأوا في أنفسهم ما لا يُرى.. رأوا كيف يتواطأ الأخ ضدّ أخيه في صفقة معقودة بين الجريمة والنذالة والخذلان يراد لها أن تتجاوز كلّ نظير.
ما أقبح ما يرى العرب، اليوم، من وجههم
الغرب شرّ وعصابة الصهاينة في فلسطين هي خلاصة الشر، أمّا العرب فحذاء يضعه الشرّ في قدمه ليدوس الفلسطينيين ويتقيَ أن يشوّهه الدم.
سيتحدّث التاريخ، قبل أن تقوم القيامة، بأنّ مجموعة بشرية كبرى في الأرض كانت تدعى العرب أصابتها اللعنات لكثرة ما شربت من قذارة بلغت بها أن خذلت أطفالا استصرخوها فلم تُصرخهم وتركت نساء استنجدن بها فلم تنجدهنّ. أمّة كانت ترتّل في كتابها (وإن أحدٌ من المشركين استجارك فأجِره) ولكنّها لمّا استجارها الملايين في أبنائها خذلتهم وتركتهم وأسلمتهم وأهانتهم.. تركت كتابها لتقرأ من كتاب الشيطان عدوّها.
أمّة العرب أمام امتحان عسير.. ولا أظنّ أنّ أداءها الهزيل أمام ما يحصل للفلسطينيّين يُبقي لها حقّا في أن تَعُدّ نفسها أمّة في عداد الأمّم، أو يجعل لها حظًّا من بقاء بعد خذلانها للفلسطينيّين.
الشرّ استوطن الأرض التي ضاقت بما رحبت.. ولم يبق من أهل الأرض من يرفع الشرّ عنها.
لم يبق للأرض من حلّ يقيها سطوة الشرّ عليها غير السماء تمدّها بطوفان يأخذ جميع من عليها، لا ينجو منه إلّا أهل غزّة المقهورون، فهم أحقّ البشر بالبقاء.
اللهمّ طوفانًا يطهّر أرضك من شرّهم.