أبو يعرب المرزوقي
لماذا رفع حزب الله تدخله إلى افتعال أزمة في الشمال الآن؟ من يتصور انه يفعل ذلك لمساندة طوفان الأقصى لا يمكن أن يكون مدركا لمشكل إيران وكل عملائها وخاصة حزب الله.
اعتقادي أن ايران بدأت تشعر بأنها قد تصبح خارج اللعبة الجارية في الإقليم وهي تريد فرض حضورها على الأقل كأحد اللاعبين. لذلك فالهدف من التصعيد ليس حزما في المساندة بل السعي لإثبات الحضور وفرض المشاركة فيما يجري عالميا حول مآل القضية الفلسطينية: فإيران تعلم أن ورقة فلسطين هي التي بها تحتل العراق وسوريا ولبنان واليمن
فهي تخيف كل العربان بمليشياتها فتلجؤهم إلى الاحتماء بإسرائيل ومن ثم تعلل بما تدفعهم إليه بتهمة التخلي عن فلسطين: وكل من يحلل الوقائع يفهم أنها ما توهم بالأقوال ما تؤيد عكسه الأفعال: تتكلم على تحرير فلسطين لتسترجع إمبراطورية فارس.
ولما حماس فهمت ذلك اعتمدت على نفسها وشرعت في العمل المستقل عن كل التدخلات فصارت إيران ومليشياتها يعتبرونها منافسا مخيفا وخاصة بعد أن تبينت قدرتها على الصمود الذي يعجزون دونه.
حزب الله
فـ حزب الله استسلم في حرب 2006 بعد شهر وهي صمدت أربعة اشهر ولا تزال. ولما نجحت في تغيير المناخ الدولي شعبيا أولا فأسقطت كل سرديات إسرائيل وبدأ هذا الانقلاب يؤثر حتى على الرسميين في الغرب: انزعجت ايران وبدأت تحرك أذيالها.
لكن الرياح تجري بما لا تشتهي سفن إيران: فحتى اضعف حلقة في الصمود اعني مصر والأردن والسعودية بدأت تتوجس خيفة من صمود حماس وشرعت في الاستعداد للمستقبل: المشاركة في هذا النصر بعيد الغور الذي حققه أبطال الطوفان.
فهم أولا بدأوا يخافون من تكرار نكبة 48 وعزموا على تجنب ذلك لأن تهجير حماس إلى سينا وإلى الأردن يعني العودة بالقضية إلى ما كانت عليه قبل تكوين دولة إسرائيل وهم يعلمون ما أدت إليه الخيانة من الانقلابات التي هزت كل الإقليم.
الخوف من زوال كل ما حصل لتجاوز هذه الوضعية سيتبخر مع انتقال الفلسطينيين إلى سينا وغزة. والغرب عامة وأوروبا خاصة يخشون من العودة إلى ما قبل التقسيم:
فالثورة ستعم الإقليم وستسقط الأنظمة العميلة ومعها إسرائيل حتما لأن شعوب الإقليم لم تبق أمية كما كانت قبل 48. وعندئذ لن يستطيع الغرب حماية إسرائيل ولا المحافظة على سلطانه في الإقليم إذ هم لن يستطيعوا خوض ثلاثة حروب رغم كونها ليست ذات نفس الهدف ولا الأدوات: معنا ومع روسيا ومع الصين: فقدوا ما يستمدونه من روسيا ولا بديل إلا الإقليم بشرط بقائه هادئا والصين يمكن أن تحقق كل ما تريد دون حاجة للحرب.
لذلك فالغرب سيحاول إضافة محمية أخرى للمحميات العربية ظنا أن ذلك قد يوقف ما بدأ في الطوفان: العلامة القاطعة على بداية الاستئناف. وقد تطابقت الأحداث في الإقليم: محاولة مصر والإمارات التقرب من تركيا ونجاح الحزب الثوري في باكستان.
ذلك ما يجعلني مطمئن بأن دور إيران انتهى وبأن دور تركيا وباكستان سيزداد حضوره في الإقليم ومن ثم فالأنظمة العربية العميلة كلها بدأت مع الغرب السعي لحل الدولتين الذي اعتبره قد تجاوزته الأحداث:
الحل الوحيد الذي سيفرضه حمق إسرائيل التي جعلته مستحيلا بالمستوطنات في فلسطين وبالوحشية البدائية ومعها حمق إيران بتوظيف القضية لاحتلال العراق وسوريا ولبنان واليمن بعد الضفة الشمالية للخليج لاستعادة دولة فارس.
الحل الوحيد هو إذن الدولة الفلسطينية الواحدة التي ستحدد مستقبل الإقليم والتي تشبه الخلافة الأموية في استعادة إمبراطورية الإسلام وستكون فلسطينية وليس إسرائيلية ولا إيرانية.
وما أن تتحقق حتى يغادرها يهود الغرب فتكون أول دولة حقيقية وليست محمية عدد 23 في جامعة المحميات العربية. وعندما يفهم الغرب الأدنى ذلك أي أوروبا فهي ستتحرر من العقلية الاستعمارية والاستردادية والصليبية فتعلم أن مصيرها مشترك معنا وليس ضدنا مع الغرب الأقصى (أمريكا) وليس ذلك بخيارها لان كل شروط قيامها مستمدة من أرضنا في إفريقيا وآسيا ومن بحارنا وممراتنا إلى العالم. بعد أن صارت الإحاطة بدار الإسلام مستحيلة بخلاف ما كانت عليه في المرة السابقة أي بعد أن هزمنا في الصليبيات والاسترداديات والاستعماريات فصرنا أمة مفتتة جغرافيا ومشتتة تاريخيا وخاصة منذ سقوط آخر خلافة إسلامية في بداية القرن الماضي.