البيداغوجيا وبعض إخوتنا المثقفين العرب
عبد اللطيف علوي
أكبر كارثة في البيداغوجيا، أن تجد معلّما غير مدرك لمستوى التّلاميذ في قسمه!
من مارس التّعليم، الابتدائي خاصّة، وخاصّة في منظومتنا التّعليميّة الجديدة، يعرف هذه الأشياء!
أحيانا يكون لديك قسم سنة خامسة مثلا، لكنّه واقعيّا وعلميّا من سابع المستحيلات أن يتجاوز مستواه سنة ثانية أو ثالثة على أقصى تقدير!
بعض المعلّمين، برغبة صادقة منهم، وبعضهم بضغط من الإدارة الجاهلة (وخاصّة في المدارس الخاصّة) أو بضغط من متفقّدين مغرورين ومغيّبين، يريدون أن “يقفزوا” بمستوى أولئك التّلاميذ، فتراهم يقتلون أنفسهم في تدريسهم صعوبات تتجاوز مستوى إدراكهم بكثير وتحفيظهم قوالب الاستعارات والمجاز أو قواعد اللّغة المعقّدة وهم لا يدركون أصلا مفهوم الجملة، ويسخطونهم بالمسائل الدّامغة في الرّياضيّات وهم عاجزون أمام أبسط آليّات الجمع والطّرح، وكلّ ما إلى ذلك ممّا نعرف…
النّتيجة دائما تكون تدمير التّلميذ عوض “القفز” به كما كان يظنّ أولئك المعلّمون!
تدميره واقعيّا، لأنّك ببساطة عوض أن تستثمر وقتك ووقته وجهدك وجهده في ردم الفراغات الموجودة في تكوينه وتدارك ما فاته وتهيئته للبناء القادم الّذي يجب أن يتمّ بشكل منظّم وتراكمي عاما بعد عام ودرجة بعد أخرى، عوض كلّ ذلك أنت تصبّ الرّمل في الفراغ وتدقّ الأوتاد في الهواء وتتساءل بعد ذلك لماذا تفشل كلّ محاولاتي، رغم أنّني صادق النّيّة وبذلت كلّ الجهد من أجل أن أنجح!
بعض المثقفين العرب
نفس الحال مع بعض إخوتنا المثقفين العرب مع شعوبهم، على افتراض حسن النّيّة والرّغبة الحقيقيّة في التوعية والتّغيير…
لم يفهموا، بعد كلّ هذه الخيبات والمآسي، أنّه لا ينفع أبدا أن تحاول “القفز” بها إلى قضاياك الكبرى ومثاليّاتك وقوميّاتك وفلسفتك “الخشينة” على عقولهم، وهم مازالوا عالقين في رغيف “الرّهج” وأشعار شيبة وتحاليل الدزيري وتفاسير شفطر ومقدّمة الصّبّاغ ومؤخّرة راويا…
لم يفهموا أنّ هناك مسافة سبع سماوات ضوئيّة بين “قضاياهم القومية والإنسانية الكبرى” وبين شعوب مازالت في طور حاجياتها وغرائزها البدائيّة الأولى ومازالت مفاهيمها الأساسيّة الأولى في الفنّ والذوق والجمال والحرّية والسلطة والرجولة والمسؤولية والحق والواجب… كلّها مفاهيم مقلوبة ومسمومة حُقنت بها أو تكوّنت لديها وتوارثتها جيلا بعد جيل حتّى أصبحت عقائد مستحكمة تشكّل غلافا محكم الإغلاق حول عقولهم فحقّ القول فيهم: “ختم اللّه على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم”…
هذا الواقع، أحببت أم كرهت، له أبطال آخرون غير ماكنت تتمنّى! أبطال من التّافهين والبغايا والصّعاليك والمرتزقة واللّصوص، لصوص كلّ شيء… لصوص المال والفن والشعر والوطنية وكل شيء…
بإمكانك أن تتعامى عنهم كيفما تشاء، فتتعالى عن نقدهم أو فضحهم أو تعريتهم بحجّة أنّك أرقى منهم وأسمى و”أخشن” وأنّك مشغول طول الوقت بمعلّقاتك وقضاياك القومية والإنسانية الكبرى!، ولكنّ الحقيقة أنّهم شئت أم أبيت سيسرقون منك حياتك، ويسرقون ولدك، ويسرقون مالك، ويسرقون شعرك وأدبك ووطنك وحلمك ويسرقون حتّى قضاياك الكبرى ليتاجروا بها في سوق الخردوات… وأنت تنظّر!.
هذا كل شيء.