أبو يعرب المرزوقي
ما العصفوران؟ التصدي للقطار الأول (الصين) ومنع القطار الثاني من الانطلاق (الإسلام) وذلك بجعل ما يفصل جغرافيا بينهما يصبح جيواستراتيجيا وذلك بضم الهند وروسيا لحلفه ضد المنافس الذي يتصيد نفس الفريسة.
والفريسة هي العرب خاصة والمسلمين عامة بسبب ما ليديهم مع عجزهم عن رعاية المسلمين وحماية ما لديهم أعني شروط كل الحضارة الحديثة التي تحتاج القارات الخمسة وقواها.
فجل الممرات الواصلة بين القارات وجل الطاقة بكل أنواعها هي ما لديهم وهم في وضعهم الراهن عاجزون عن حيازة شروط حمايتهما أولا وعلى الاستفادة منهما ثانيا لأنهما مطلوب الجميع أولا ولأنها أيسر الأشياء قابلية للتعطيل:
- فالطاقة سلاح ضد صاحبها إذ أي قوة مهما كانت ضعيفة تقدر على تفجيرها
- والممرات سلاح ضد صاحبها إذ هي قوة مهما كانت ضعيفة تقدر على غلقها.
والأدهى من ذلك كله هو أن الثورة المستمدة منهما هي بين نكبتين أخريين: - فإما تستعمل في الاستيراد للمعاش والبذخ ولا تبني شروط رعاية الأمة وحمياتها
- أو تستثمر في مشروعات الغرب أو في صناديق ترصد عنده وكلاهما قابل للتجميد عند الحاجة
- فضلا عما يهرب منها إلى بنوك الغرب بسبب الفساد وهي سرقات ثروة الشعوب الإسلامية من الحكام وأزلامهم دون حسيب ولا رقيب.
وما يجري حاليا في فلسطين إذا بقي صراعا بمساره الحالي قبل أن يحصل ما أتوقفه حلا وحيدا لمحافظة الغرب الأقصى (أمريكا) والأدنى (أوروبا-اسرائيل) على سيطرته على العالم ومنع الغرب الأقصى (الصين) والأدنى (وروسيا وإيران) من افتكاك هذه السيطرة فلا بد من يتدخلا في المآل المنتظر.
والفرضيات الممكنة حول هذا المآل هي التالية مسارا لا بديل عنه بمنطق التاريخ العالمي وعلاقة حضاراته منذ آلاف القرون وبمنطق التقدير الذهني:
- إما إسرائيل تحسم المعركة باسم الحلف الغربي إذا بقيت فلسطين وحدها
- أو إيران تحسم المعركة باسم الحلف الشرقي لما تتدخل بعد أن تكون إسرائيل قد ضعفت بفضل تضحيات حماس.
- أو في حالة منع الحرب بينهما بقسمة ينظمها الغرب بينهما بهدف ضم إيران وروسيا إلى صفها وحماية إسرائيل والإبقاء على هيمنته على الإقليم وهو الحجر الذي ستضرب به العصفورين.
- أو يفهم العرب المحيطون بأرض المعركة ضرورة التدخل للحسم إذا فهموا أنهم الغنيمة في الحالات الثلاث السابقة هي أرضهم وثرواتها وممراتها.
- والحل الوحيد هو انضمام تركيا وباكستان للمعركة لأن العرب وحدهم ليس لهم القوة للتدخل أو حتى للتهديد بالتدخل بسبب ما صوفت من هشاشة المحميات وهشاشة الثروة التي لديهم.
بعد هذه التعريفات والوصف الجيواستراتيجي الذي يحيط بالمعركة الحالية أريد الآن الإشارة لأخطر ما يمكن أن يحل بالأمة والشروط الاستراتيجية التي تمكن من استباق حصوله بتعيين الجغرافيا السياسية التي يسعى الأعداء لفرضها بحيث يحقق له ضرب عصفورين بحجر واحد: الإحاطة بما لدى الأمة من قوة بعد مفعلة يحتاج إلى منعها عن غيره شرطا في إضعافه وعزل الصين في آن.
فما عند الأمة مما يحتاجه العالم ويستحوذ عليه دون أن تكون الأمة قادرة على حمايته فضلا عن رعاية شعوبها بثمرته؟ ولماذا يسعى كلا القطبين الأقويين المتنافسين على ما تملكه الأمة مبدئيا ولا تسيطر عليه والاستحواذ عليه لمنع المنافس:
فالغرب وحلفاؤه يريدون منع الصين من السيطرة عليها
والصين وحلفاؤها يريدون منع الغرب من السيطرة عليها
فالسيطرة على الطاقة التي جلها في دار الإسلام وعلى الممرات التي جلها تمر على شواطئها كلها صارت في ملك الغرب وحلفاؤه منذ أن تغلب الغرب على المسلمين منذ حروب الاسترداد وخلال عصر الاستعمار الغربي الذي تمثله الإمبراطوريات الأوروبية السبعة (إسبانيا والبرتغال وفرنسا وإنجلترا وبلجيكا وهولندا وإيطاليا) ثم تقاسمها التقاطب الأول ممثلا بأمريكا والسوفيات بعد الحرب العالمية الثانية التي أنهت الإمبراطوريات الأوروبية من حيث هي استعمار مباشر لأنها حافظت على الكثير من سلطانها بفضل الاستعمار غير المباشر الذي نصب عملاءه بسبب حمايته لهم فحافظوا على اكثر مما يحققه الاستعمار المباشر بفضل عملية التحديث السطحي والعنيف للقضاء على الاستقلال الروحي والحضاري. فإذا تواصلت هذه الحال فسيفرط كل عقد روحي بين فتات الجغرافيا وشتات التاريخ.
والآن يبدو الحلف الغربي قد فقد القدرة على المحافظة على تفوقه الذي كان شبه حصريا لديه اعني التقدم العلمي والتقني والاقتصادي أو هو قريبا من فقدانها ما جعل العاملين الآخرين المحددين لأوزان الدول في الجيواستراتيجيا يصبحان أكثر وزنا أعني: دور الديموغرافيا ودور الرؤى الإيديولوجية.
فالظن السائد هو أن منظومة البريكس يمكن أن تصبح اثقل وزنا لهاتين العلتين حتى لو سلمنا بأنها ما تزال في مستوى التقدم العلمي والتقني والاقتصادي دون منظومة الغرب. لكن ذلك حسب رأيي يحتاج للمراجعة:
فأولا يعسر أن تصبح منظومة البريكس حلفا ويصعب أن تبقى منظومة الغرب حلفا. فلا يمكن أن تقبل الهند وروسيا التبعية للصين ولا يمكن أن تقبل اليابان وكوريا الجنوبية التبعية لأمريكا.:
فالهند لها طموح القوة العظمى لتطورها في المستويين الأولين ولكونها حائزة على عامل الديموغرافيا ولها قرب أيديولوجي من الديموقراطية الغربية.
وروسيا شعبها ميال إلى الانتساب إلى أوروبا أكثر من ميله للانتساب إلى آسيا فضل عن كون روسيا كانت متبوعة من الصين ويصعب أن تصبح تابعة.
واليابان لا يمكن أن تطمئن لأمريكا لتحميها من الصين التي لها معها تاريخ أسود. ومثلها كوريا الجنوبية التي تخضع لتهديد كوريا الشمالية حليفة الصين ولا يمكنها أن تطمئن للحماية الأمريكية.
والمشكل الخامس في هتين المنظومتين هو المجهول الأكبر أي ما يعد غنيمة لكل من يتغلب من المنظومتين المتنافستين أعني المسلمين ودار الإسلام التي تتوسط بين كل هؤلاء لأنها في ملتقى القارات الثلاث التي مثلت ولا تزال مركز الثقل الحضاري مع ما لها مما يجعلها الغنيمة في الصراع الدولي الذي بين القطبين ومن لا يطمئن إليهما في آن.
والفرصة الوحيدة التي يمكن لهذا المشكل الخامس أن يصبح منطلق الحل هو أن يبادر المسلمون المحيطون ببؤرة الصدام الحالي أي فلسطين بألا يتركوا الحسم يحصل فيه بيد عيرهم فيخرجوا من دور المتفرج الذي لا حيلة له: وهم خمسة لا اكثر :
ثلاثة مهددون مباشرة سواء ربحت إسرائيل أو إيران أو تدخلت أمريكا لتقسم الإقليم بينهما في مسعاها لفصل إيران وروسيا عن الصين: إنهم مصر والسعودية والأردن.
واثنان مهددون بصورة غير مباشرة لأن ضم الهند وروسيا وإيران إلى المنظومة الغربية لعزل الصين سيكون حتما على حسابهما واعني تركيا وباكستان:
فلا يمكن ضم الهند من دون المساس بأمن باكستان
ولا يمكن ضم روسيا من دون المساس بأمن تركيا
والمعلوم أن الوسيط بين تهديدهما هو إيران فهي العدو اللدود لهما كليهما ولكن خاصة للعرب لأنها تريد استرداد إمبراطورية فارس بنفس العقلية التي تريد بها إسرائيل استرداد إمبراطورية داود.
وختاما فأخطر ما يحبكه الغرب حاليا هو هذه الخطة: ضم الهند وروسيا وإسرائيل إلى المنظومة الغربية لعزل الصين وللاستفراد بالمسلمين ليس بالحرب المباشرة عليهم بل بمنعهم من تحقيق شروط استرداد الوزن الكافي ليكون لهم قول في ما يجري.
مقترحي هو عدم التفريط في الفرصة الحالية: فطوفان الأقصى هو الفرصة التي يقطعون بها الرأس لتنشف العروق. والرأس هو عين ما يجعل الغرب يحتاج إلى هذه الاستراتيجية أي ضم الهند وروسيا وإيران إلى صفه فيكون بذلك قد حقق ما يمكنه من السيطرة على العالم قرنا آخر على الأقل.
وإذا حقق الغرب هذه الإستراتيجية فسيضمن لنفسه السيطرة على العالم لقرن مقبل على الأقل ولن تستطيع الأمة استئناف دورها لان الغرب سيحقق سايكس بيكو أدهى وامر من الأولى ولنا أمثلة منها بعد في السودان وقد يأتي دور كل الأقطار ذات الحجم الكبير مثل السعودية والجزائر لأن مصر انهو دورها نهائيا ولا يحتاجون لتفتيتها فهي صارت تابعة لمسيحييها ودراويشها والفاسد من نخبها وعسكرها.
والحل هو المبادرة مثل حماس لإيقاف هذا المسار الخطير وذلك بالاتفاق على توجيه التوماتوم للغرب من هذا المخمس الممثل للامة قبل أن تحقق هذا الهدف بأنها إذا لم توقف الحرب وتفرض دولة فلسطينية بحدود التقسم وليس بحدود 67.
طبعا لا بد من جرأة تشبه جرأة حماس في الطوفان. والمانع ليس فارق القوة بينهم وبين الغرب ولا الخوف منه بل لأنهم لا يثقون في بعضهم البعض يعلمون علم اليقين أن البعض منهم يتربص بالبعض الثاني وهو مستعد للخيانة.
ولكن إذا تغلبوا على هذه الظاهرة وفكروا في المصلحة المشتركة فإنهم سيدخلون الحرب لحماية ما أعطاه القانون الدولي لدولة فلسطين أي ما حدده التقسيم وهو الشرعية الدولية الوحيدة لدولة إسرائيل والباقي كله اخذ بالقوة فإن لم يسترد بالدبلوماسية فينبغي أن يسترد بالقوة.
ولا مهرب. فالانتظار لن يحول دون المآل الذي سيجعل المسلمين ذيلا لأحد الحلفين أو مقسومين بينهما كما هم الآن وذلك لقرن أو ربما لقرون. والله اعلم. لكني لم أقل كلامي هذا “دقازة” (شعوذة) بل هو تحليل للمعطيات الجيواستراتيجية البينة لكل ذي عقل. انتهى.