فقرات في البلادة الذهنيّة
نور الدين الغيلوفي
1. لا أحد، في الدنيا، يدعوك إلى مأدبة غير ما ترك الجياع.. والجوع متى كان في الروح امتنع معه الشبع. فدع عنك، واترك المفعول لا تسمّه.. الجوع التهم كلّ شيء ولم يترك شيئا للتسمية ولا شيئا لتدعَهُ.
2. قولة سارتر “الآخر هو الجحيم” لا يغريني التمثّلُ بها، لأنّ الجحيم في الذات قابع يخاتل ويناور.. أمّا الآخر فعابر.. ولا جحيم إلّا لمقيم.
3. وأحفظ للمتنبّي “خليلك أنت” ولا أرى لزوما لما تمّ به البيت إلّا ما يقتضيه خطام نظم الحكمة. فإذا وقفتُ عند الجملة التامّة لم أرَني أصلح خليلا لي ما دام في الروح كلُّ هذا الوجيف. ففيّ الخصمُ والحكَمُ.
4. كلّما دنوتُ، العُمْرَ، من نجم في صحراء العمر المعتمة اختار نجمي أن يأفل من عند نفسه كأنّ النجوم عمرُها على قدر انتباهي إليها.
5. أسير وحيدا في عتمة عمر يأخذني إلى ثقب يأتي بعده، بلا أدنى غواية.
لم يبق منّي، من عرك السنين، غيرُ انتباهٍ إلى أنّ هذا الوجود مثل الوجوه لا يساوي غير لحظة مرور عابسة أو عابثة.. ثمّ يُصنع به فعلُ الريح بورقة خريف قرّرت الطبيعة دعوتها إلى مهامّ أخرى لا أحد يعلمها. سرّ هامسٌ في الهامش لا يسمعه من البشر أحد.
6. تكتب شيئا فتلقى من يعاجلك بسخطه ليخرجك من حوزة الدين. تكتب شيئا مختلفا فتصطدم بمَن يحمل عليك ليخرجك من ملّة العقل، فأنت بين الفريقين في كبَد. قائمة الدين ترفضك وقاعدة العقل تطردك. ويحتال عليك من الأقوال بما يعني “نحن ننفي عقل موقفك ولا ننكر عليك عقلك”.. وذلك من غريب العقل طبعا. أنت عاقل ما كنتَ صامتا، فإن نطقتَ انتفى عقلُ منطقك. فخيرُك خيرُك صامتاً.
7. هل أنا حزين؟
لست حزينا. من المخجل أن تسند إلى نفسك حزنا أمام هول القيامة في غزّة والنواحي. ماذا أترك، إذا حزنتُ، لأرملة عجوز فقدت كلّ شيء عند النكبة الأولى لتصنع لها من نكبتها حياة على هامش مخيّم دام عبورُه قرنا من الزمان حتّى إذا بلغ من قرنها ربعُهُ الأخير قصف الأعداء بيتها فأُخرجت من تحت الأنقاض وحدها. وقد دخلت، الآن، شهرها الخامس وهي تحصي أعداد موتاها من بنين وحفدة هم حصاد عمر نكبتها الطويل.. يلحّ عليها خاطرها ولا تسعفها بالعدّ أصابعها والذاكرة.. ماتوا جميعا ولم تفلح الهيئات، بعدُ، في العدّ. أسمعها تقول الحمد لله فأخجل منها..
فكيف أحزن؟
8. لا شيء يستحقّ حزنا ولا فرحًا. أفضل للمرء أن يخرج من مربّع المشاعر.. يجلس خارج نفسه ويتلهّى بتنقيتها من الشوك والشوك مَهول.
والعمر لا يكفي لعدّ الشوك.
ولا شيء يستدعي الأسى
والأسف.