عدنان منصر
عندما انطلقنا في تأسيس “دول وطنية” على النموذج الغربي، كنا نعرف جيدا أن المقومات الحقيقية للأمة أوسع بكثير من الحدود التي تلف “دولنا الوطنية”.
“دولة وطنية” كانت تعريبا مُراوِغا “لدولة قومية”، ولأننا كنا نخاف عبارة قومية التي ترفض تلك الحدود، فقد قلنا “وطنية”. ليس في النموذج الغربي الذي اتبعناه “دولة وطنية” بل “دولة قومية”، ولكننا كنا نكابر، والمكابرة كانت تغطية على نوع من الخجل. كنا ندير ظهورنا للمكون الذي من دونه لا تستطيع تلك الدولة أن تستمر، وهذا المكون هو الأمة. الدولة القومية الغربية قامت، يا للمفارقة، على الأمة. ثم تقدمنا خطوة أخرى في المكابرة فقلنا أمة تونسية وأمة جزائرية وأمة مصرية.
دول وطنية
تحت تأثير النخب المؤسسة للوطنيات وللدول الوطنية، كان هناك حرص شديد على تميز كل دولة عن الأخرى، وكانت بعض الإختلافات البسيطة تُرفع إلى الدرجة التي تصبح مقياسا لتميز “شعب” على آخر، وليس دولة على أخرى فحسب. كانت هناك حاجة لذلك، وكان الجميع يحسب أنه يحسن صنعا. دول وطنية بلا مقومات حقيقية، ودون مكوناتها الأصلية، هي مشاريع تبعية. اتباع نموذج غربي في غير بيئته ومن دون أسسه الأصلية، باستعمال المراوغة الخطابية وتكثيف البروبغندا “الوطنية” المرسخة للنعرات تحت غطاء التميز، لم يكن يعد سوى بتأسيس سيادات عرجاء، عاجزة، تابعة، وذليلة.
ها نحن نعيش كل ذلك اليوم عجزا وتمزقا ويأسا. دول بلا مشاريع، وكيانات تتقاذفها أهواء “زعاماتها” المريضة وأطماع الغرب الكاسر. لكن هناك فرصة وأملا تمثله فلسطين. إعادة تأسيس فكرة الأمة حول نموذج مقاوم، وصهر الناس حول زعامات حقيقية، واكتساب القدرة على التمييز بين ما أريد لنا بتواطؤ وقصر نظر منا، وبين ما ينبغي أن نكون. انتخابات هنا وهناك، برلمانات هنا وهناك، وقواعد هنا وهناك أيضا. “الدول الوطنية” عندنا مصانع عبث، ومناجم إحباط.
نصل اليوم عبر فلسطين وصراع مقاومتها ضد غول العصر إلى القناعة بأن ما يديم مشروع إسرائيل هي هذه “الدول الوطنية” بالذات. جميعها إما يجعجع في الصحراء أو يتآمر أو يحاصر فلسطين أو يمول إسرائيل ويفك عنها الضائقة. جميعها بلا استثناء. هذه دول كان دورها منذ البداية إلغاء الأمة، فلا يمكن أن تقبل بانتصار مقاومة تعيد تأسيس فكرة الأمة.