مصدق الجليدي
يظن الكثيرون ممن يتصنّعون البيداغوجيا أن تربية الطفل باللين واليسر والترفّق والحنان الفائض أفضل له في نمو شخصيته والارتقاء به من طور معرفي ومهاري وقيمي إلى آخر. بينما تقول الحكمة الشعبية: “كثرة الدلال تخلّف الهبال”.
وأنا بصراحة مع آلان (الفيلسوف الفرنسي إميل شارتييه) في القول بأفضلية التربية الصارمة على التربية المتساهلة. والصرامة لا تعني العنف، بل الحزم والدفع إلى الانضباط. الإنسان بطبعه الحيواني ميال للكسل والدّعة والقابلية للتربية كحيوان أليف يؤتى له بالطعام والشراب ويهيأ له الفراش الوثير ويداعب كما نفعل ذلك مع القطط والكلاب. لكن ما يجعل منه إنسانا ذا إرادة ومهارات ومعرفة وقيم هو جعله وجها لوجه أمام المهمات الشاقة بحسب ما يقدر بذل الجهد منه على التغلب عليها. علينا أن لا نيسّر للطفل التعلم بتيسيره له تيسيرا ينزع عنه معنى التحدي ويحرم الطفل من القيام بالجهد اللازم لرفع التحدي والشعور في الأخير بمتعة الإنجاز والترقي.
تربية الطفل
يقول آلان: “والحق أن ليس للإنسان من قيمة وقدر إلا بما يحرزه من نفسه باتباع الطريق الوعرة الصّارمة. أما من يرفض طريقة الصّرامة فإنه لن يساوي شيئا.” (أحاديث في التربية، الحديث الثاني). ولا ننس أن الطفل نفسه يجد متعة في الالتحاق بالكهول في القدرات والمهارات والمعارف وفي مغالبة الصعوبات التي تعترضه في سبيل ذلك. فيجب تغليب هذا النزوع الإنساني لديه (الطبع الخليق بالإنسان) على نزوعه الحيواني.
“لا يمكن أن تجعل الطّفل يتذوّق العلوم والفنون كما تُذيقه الثّمار المُلَبَّسة بالسكّر. فالإنسان إنما يتكوّن بالجهد والعناء. أما لَذّاته الحقيقية فيجب أن يأخذها غِلابا ويجب أن يستحقّها” (آلان، الحديث الخامس).
والحقَّ الحقَّ أقول: لقد تربيت أنا شخصيا تربية على قدر من الصّرامة، رغم أنها شديدة البيْن عن تربية العسف. وقد نلت من تلك التربية الثمرات الطيبة الكثيرة.