نصر الدين السويلمي
في يوم 27 جانفي من العام 1980 شهدت تونس ما عرف بأحداث قفصة، عملية مسلحة قادتها مجموعة تونسية “60” محسوبة على التيّار القومي “عروبي”، تدرّبوا في ليبيا من أجل القيام بثورة تطيح بنظام بورقيبة.
أعدّ القذّافي العمليّة انتقاما من الهادي نويرة، الذي حمّله مسؤوليّة إسقاط وحدة 1974.
يؤكّد رئيس الوزراء التّونسي الأسبق الهادي البكّوش أنّ التّنسيق للعمليّة تمّ بين القذّافي والنّظام الجزائري، وأنّ رحيل بومدين وصعود بن جديد إلى الرّئاسة أسهم في فشل العمليّة بعد التّخلّي الكلّي للجزائر بل وإدانة الهجوم.
تحوّلت المجموعة التّونسيّة من بيروت وروما ومرسيليا إلى الجزائر ومنها إلى قفصة، ونسّق العقيد سليمان هوفمان من المخابرات الجزائريّة مع العقيد الليبي معمّر القذّافي.
اختار القذّافي اطلاق العملية في الذّكرى الثانية للإضراب العامّ للاتحاد العامّ التّونسي للشغل “26 جانفي 1978” كجرعة محفّزة للمجموعة وللشّارع الذي قال العقيد أنّه سيستجيب بسرعة.
تعتقد قيادة المجموعة التي نفّذت العمليّة أنّ القذّافي خانهم، بعد أن أكّد لهم أنّ الجماهير تترقّبهم في تونس، وأنّه سيتكفّل بالغطاء الجوي ويرسل فرقه المختصّة لدعم الانقلاب، لكن تخلّى عنهم، وربّما أقصى ما فعله أنّه أرسل باسم المجموعة المهاجمة برقيّة إلى وكالة فرانس برس، يعرّفون أنفسهم بأنّهم جزء من جيش التّحرير التّونسي، وأنّ هدفهم هو القضاء على ديكتاتوريّة الحزب الحاكم والهيمنة الاستعماريّة.
أقرّ القائد السّياسي عزّ الدّين الشّريف بوجود علاقة تربطه بالسلطات الجزائريّة وبالخصوص بجهاز مخابراتها، وهي العلاقة التي نسجت أثناء اشتغال الشّريف لصالح جبهة البوليساريو.
في مساء العمليّة إلى اليوم التالي بدأ بورقيبة في استقبال المساعدات العسكريّة التي وصلت من المغرب ومن فرنسا والولايات المتّحدة.
قتل في العمليّة 3 من المهاجمين، و 38 من أعوان الحرس، و3 من الشّرطة، و 18 مواطنا، اعتقل 42 من المجموعة، وأصدر القضاء 11 حكما بالإعدام. وقيل أنّ السلطة أعدمت 14 من المشاركين في العمليّة، كان آخرهم جيلاني الغضباني الذي ظلّ في المستشفى لوقت طويل ليعدم بعد تماثله للشفاء.
رغم أنّنا لا نتحدّث عن عمليّة حدثت قبل عقود طويلة، إلّا أنّ الاختلاف كبير حول ما وقع في قفصة، خاصّة على مستوى التفاصيل والأطراف المشاركة والأهداف والنّوايا.. العديد من الكتب تناولت هذا الحدث منها “دم الإخوة 1980” لنورالدّين العلوي، وكتاب المنصف بلحولة “الأسرار المغيّبة في أحداث قفصة المسلّحة 1980″، وكتاب حسن يوسف اللمّوشي “وانطلقت الثورة من قفصة”، وكذا كتاب المؤرّخ الليبي محمّد سعيد قشاط “قفصة في الأفق-ثورة الشّهيد أحمد الميرغني”.