نصر الدين السويلمي
بمتابعة لآخر مستجدّات الحرب على غزّة، والتّعاطي المنتبه مع مختلف القراءات وتبويب الطرح الـ مع والــ ضدّ والمحايد، بعد كلّ ذلك يمكن الخروج بخلاصة مفادها أنّ مشروع الدولتين عاد إلى الطاولة الدوليّة بزخم غير مسبوق،
وأنّ بريطانيا والولايات المتّحدة والاتحاد الأوروبي أصبحوا على قناعة بأن لا بديل غير حلّ الدولتين، وأنّ نهاية الحرب “بالقضاء” على حماس والعودة تدريجيّا إلى خيار اليمين الإسرائيلي الرّافض للدولة الفلسطينيّة والتّعايش مع ذلك الخيار من جديد، سيهدّد بتقويض المنظومة الغربيّة برمّتها، تلك التي سوّقت كمنظومة كونيّة. وهذا سيقود إلى معارك منظومات ضخمة ستستفيد منها الباكورة الصينيّة الشموليّة والأخرى الروسيّة المخضرمة.
قبل الرهان على التيّار “داخل الكيان” الذي سيقود حلّ الدولتين بشروط مجحفة جدّا، تمنح الولايات المتّحدة وبريطانيا فرصة أخرى إلى نتنياهو لعلّه يتمكّن من حسم الأمر في معارك خان يونس، بعد أن أكّد لهم أنّ الحسم سيكون في الخان وأنّه يحتاج إلى وقت للسيطرة على هذه الرقعة التي تحتوي على قمرة القيادة ومستودعات السّلاح والمؤونة والمستشفيات الجوفيّة ومختلف وسائل الدّعم. أمّا الزمن الذي سيمنحه الغرب إلى نتنياهو فسيحكمه المزاج الشعبي داخل دولة الكيان، وطالما ما زالت أولويّة شعب الاحتلال هي الاجتثاث والانتقام على حساب ملفّ الأسرى وأرواح الجنود والعودة إلى الحياة الطبيعيّة، يبقى الغرب عاجزا عن ترجيح الكفّة لصالح الأصوات الخافتة التي تنادي بوقف الحرب وفسح المجال لحلّ الدولتين.
وإذا ما قدّم الكيان ولو إشارات خبيثة حمّالة تلوح إلى إمكانيّة قبوله بحلّ الدولتين شريطة مغادرة قادة حماس وإنهاء تواجد الحركة في غزّة، فإنّنا سنشهد هستيريا من التداعي العربي على الحركة بمشاركة قويّة من سلطة عبّاس، وسيدخل السيسي بثقله وبشكل سافر وفجّ في الضّغط على الحركة بل وهرسلتها، مدفوعا بهوس التقرّب إلى اللوبيّات الدوليّة خاصّة الماليّة، ثمّ برغبته الملحّة في عودة الانسياب السلس إلى باب المندب، بما أنّ 98% من البضائع والسّفن القادمة من جنوب قناة السويس في مصر تمرّ من خلال مضيق باب المندب باليمن.
أمّا صفقة الهدنة بشهرين التي تطبخ منذ أيّام، وإن كانت تساعد نتنياهو في تحسين صورته داخليّا خاصّة مع أهالي الأسرى والشرائح التي تحالفت معهم، فإنّها قد لا تساعد حماس إلّا إذا كانت الحركة قادرة على استغلال هذا الحيّز الزّمني في ترتيب الكثير من الأمور، ليس أقلّها ترميم صفوف قسّامها، وإعادة ربط الوحدات ببعضها وتأهيل مسالك التوزيع تحت الأرض وفوق الأرض، وإحياء التواصل الهرمي الذي دفعت الحرب الوحشيّة إلى عنقدته.
نقطة أخرى قد تدفع حماس إلى قبول الصّفقة مع السّعي إلى تثمينها، هو القرار الغير معلن الذي وصلت إليه الدائرة القريبة من نتنياهو، والذي اعتبر الأسرى فداء للوطن التاريخي للشعب اليهودي، يؤكّد ذلك ما صرّح به وزير الماليّة سموتريتش لعائلات المحتجزين لدى المقاومة بأنّه لا يعدهم بإعادة جميع الأسرى أحياءً، بل حتى زعيم المعارضة يائير لبيد أكّد تضاؤل الأمل في عودة الأسرى، فيما قال وزير آخر لمجلس الحرب “لا تكذبوا على أهالي الأسرى، قولوا لهم الحقيقة”، قرار التضحية بالأسرى وسحب ورقتهم الثقيلة من المفاوضات أو إضعافها، قد يدفع حماس إلى إعادة التّفكير في خسائر الهدن النسبيّة وأرباحها.
صحيح أنّ للرأي الدولي وزنه لكنّه يظلّ تكميليّا إذا تعلّق الأمر بموقف الكيان، وعليه يمكن الحديث عن ثلاثة عوامل ستحدّد المصير القصير والمتوسّط للمعركة، أوّلها وأوزنها هو شارع الكيان وسلّم أولويّاته، ثمّ مدى قدرة مخازن السّلاح لدى حماس على الصّمود أمام خطّة الخنق والاستنزاف، وكذا قدرة الحركة على تأمين رموزها، بما أنّ مجلس حرب الكيان يربط النّصر برؤوس القادة الستة في مقدّمتهم الأخوين السّنوار ومحمّد الضّيف.
على المستوى الاستراتيجي تحقق الانتصار يوم العبور، 7 أكتوبر هو ذروة الفعل العربي ضد الكيان منذ 1948، ولا يمكن لفصيل مهما عظم شأنه أن يلبس الدرع كاملةً ويوقد النار شاملةً، لذلك صنعت حماس الذي لم يصنعه كل العرب، واتخذت من نفسها كاسحة فجرت المستحيل وفتحت أمامهم الآفاق، فإن تقدموا وأوصلوا البناء على ما تحقق فلله درهم، وإن أدبروا ونكصوا وخانوا، فيا رب لا تذر على الأرض من المنافقين ديّارا.