سامي براهم
كلّ أمر تجاوز الحدّ انقلب إلى الضدّ
أذكر عندما زرت المملكة العربية السعودية للتعرّف على تجربة مركز بن نايف لتأهيل المتورّطين في الإرهاب “كتبت تقريرا منشورا عن تجربة المركز” قمت بزيارة على هامش ذلك إلى معرض الرياض للكتاب، وصادف أن واكبت مشهدا صادما حيث نظم المشاركون من ماليزيا عرضا موسيقيا فلكلوريا باهرا قدّمه أطفال بأزيائهم التقليديّة وآلاتهم الموسيقية العتيقة…
فجأة داهم العرض جماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واقتحموا المنصّة وافتكّوا الآلات الموسيقية وألقوا بها أرضا ورهّبوا الأطفال وهم يصرخون مستنكرين الغناء والمعازف على مرأى ومسمع من الأمن وسط بهتة من الحاضرين الذين كانوا مستمتعين بالعرض…
في المساء عدن في الحصّة المخصّصة لمناقشة تجربة المركز في التّأهيل أشرت للمنظمين أنّ السعودية تقاوم الإرهاب بينما مذهبها الرسميّ قائم على فقه التشدّد الذي يستمدّ منه الإرهاب شرعيته الدينيّة وفتاواه وأحكامه… فكان جواب المشرفين على اللقاء أنّ المملكة بصدد مراجعة توجهاتها وهي مقبلة على مرحلة جديدة…
لم يدر بخلدي وقتها أنّ المقصود بالمراجعة والتّجديد ما يشهده البلد اليوم من تهتّك ومجون تحت إشراف هيئة التّرفيه التي ليست سوى الوجه الآخر لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في التشدّد والتطرّف إفراطا أو تفريطا… الفرق الوحيد هو تغيّر عناوين المعروف والمنكر.
صحيح ليست كلّ المملكة حرما ومواقيت ومن حقّ السّعوديين أن يقبلوا على الحياة وينهجوا نهج الاعتدال بعد عقود التشدّد المذهبي لكن ذلك ليس مسوّغا للسقوط في أجواء الابتذال وانتهاك أعراف البلد وذوقه العام واستفزاز الشّعور الدّيني لعامّة المسلمين…
وليعلم أهل القرار هناك أنّ كلّ أمر زاد عن الحدّ انقلب إلى الضدّ… التشدّد الوهابي الذي كبت النّاس أنتج ما نشاهده اليوم من نزوع للتنفيس عن المكبوتات… والإمعان في الابتذال سيعيد التشدّد بأكثر ممّا كان…