خان يونس ضربة أخرى ليست كسابقاتها..
نور الدين الغيلوفي
- في كلّ مرّة يخرج نتنياهو ليقول لجمهوره، في مرارة المهزوم المكابر إنّه يوم أقسى علينا من سابقاته.. القسوة تتراكم على جيش الاحتلال.. كأنّ أيّام الطوفان تجزل عليهم من عطاء قسوتها كمّا ونوعًا.. وكلّما اشتدّت قسوتهم على شعب غزّة الأعزل بآلة دمار الرعاة الأمريكان احتدّت عليهم وعلى آلاتهم قسوةُ أيّامهم بما تصنعه بهم هذه المقاومة المذهلة. مقاومة لم تسكن خيالًا روائيًّا جامحًا.
- لو كانت الدولُ تنتدب مقاومين ينصرون جيوشها ويحمون أرضها مثلما تنتدب لاعبين يعزّزون فرق الرياضة فيها لما وجدت لها مثل هذه المقاومة التي كأنّ لغة البشر لم تبتدع، بعدُ، من التعابير ما ترقى به إلى وصفها فتصفها.. غير أنّ الكتائب والسرايا بنت تراب فلسطين غرسها التاريخ فيه مثل شجر الزيتون، ولا تلعب دور المرتزقة مثل جيش العدوّ، على أنّ دولة العدوّ كلّها جمهور من المرتزقة.
شقيقي الأصغر خرّيج الآداب المعطَّل عن عمل ينال منه كرامةً نسيَ محنته وسكنته غزّة يجد من وجعها ما يغنيه عمّا يعانيه، فهو يصبح على غزّة ويمسي عليها، ينافس أمّي همّ أهلها ومقاومتها. كلّما زرتُهما ألفيته يمسك قلبه من فرط خشيته عليهم.. يعرف تفاصيل تفاصيلهم.. يحدثني عن الأنفاق وطولها وأعماقها وأبعادها وتعرّجاتها كأنّه مَن حَفَرَها.. يحدثني عن الشجاعية وعن خان يونس وعن الشمال والجنوب وعن رفح.. وعن الضفّة والقطاع.. ويثني على الكتائب ويشيد بالسرايا، ويحدّثني عن الشيخ أحمد يس وعن سيرته وشهادته.. ويصدّق المقاومة كما لم يصدّق مرويٌّ له خبرا..
قال لي:
– وجب أن تُجعل هذه الكتائب الباهرة قبلةً ومحجّةً.. “تعرّى الشبح” قال، وسقطت الأقنعة وما عاد يقنعني من الفرقاء أحد.. ويثني، في الأثناء على الجزيرة.. ويمتدح قطر.
ولكنّه، في كلّ مرّة يزداد خوفا لِما اشتدّ به من إشفاقه على مقاومة رآها سبيلا أوحد إلى الخلاص…
يقول لي إذ أطَمْئِنه:
– حديثك من قبيل الإيمانيات والأمانيّ.. أنا خائف…
في لقائنا الأخير قال لي: لقد نفدت أوراقهم.. يتحدّث عن المقاومة، ولم يبق لهم من هذا العراء الذي صاروا إليه من الورق ما “يلعبون”.. ورأيته كمن يستعدّ لاستقبال عزاء والحال أنّ فائز الدويري أمامه يشيد في تحليله بعبقرية المقاومين.. ويذكّره بأنّ الأنفاق لا تزال صندوقا أسود لم يكشف أسراره.
كان ذلك يومَ الأحد. لم يمرّ يوم الاثنين قبل أن تنجز المقاومة عملًا جبّارا أخرج نتنياهو لابسًا سواده ليقول مرّة أخرى إنّه أقسى يوم مرّ عليه وعلى الكيان الذي يحكمه. وكلّ أيّام الحرب على جيوش الأعداء أسود.ما الذي حدث؟
كتيبة من سلاح الهندسة بجيش العدوّ دخلت مبنيين لتفخيخهما لأجل تفجيرهما،
والمقاومة ترصد..
قريبا من المبنيين جثمت دبّابة تحمي الكتيبة،
والمقاومة ترصد.
تقدّم مقاومان وأخذا في رمي الدبّابة.. جاءت دبّابة أخرى للإسناد فعالجها الأبطال كأختها، ثمّ رجموا المبنيين الملغومين فانفجرا بما فيهما على مَن فيهما.. في روايةٍ عددُهم 24 من جيش العدوّ بين ضبّاط وجند.
ثمّ جاءت طائرة تقول بعض الروايات، لتعالج الآليتين بمقاربة حنبعل: جنديّ قتيل خير من جنديّ أسير.. اقتل جنودك حتّى لا يأسرهم عدوّهم وعدوّك.هذه مقاومة رسمت طريق انتصارها وهي تتبعه بدقّة مذهلة رغم كلّ شيء. وهذا الجيش الذي لا يُقهَر جرّبه القهر، في أشهر طوفان الأقصى، ولن يغادره بعد أن ذاقه فأدمنه.
يا أخي،
يا ابن أمّي،
الله وعد أمثال هؤلاء بالنصر،
ولقد امتثلوا..
وأعدّوا
واستعدّوا،
وكان حقًّا علينا نصرُ المؤمنين.