أبو يعرب المرزوقي
محكمة العدل الدولية
ضميمة أولى: في المرافعتين
المدعي: جنوب إفريقيا
المدعى عليه: إسرائيل
يمكن رد الحجاج الدفاعي الذي قدمه محامو إسرائيل المدعى عليها في المحاكمة إلى خمس حجج هي أفضل شهادة لصالح الدعوى التي قدمتها جنوب إفريقيا التي لم يكن محاموها نوابا عن الفلسطينيين بل نوابا عن الإنسانية ككل.
نوعان شكليان:
وكلاهما ينافي حقيقة الدعوى وقانون من له حق الادعاء في التصفية العرقية:
الحجة الشكلية الأولى:
وجاهة تدخل المدعي: جنوب إفريقيا. جنوب إفريقيا لم يقدم دعواه نيابة عن حماس بل بوصفه ممضيا على قانون المحكمة الذي يعطي الحق لكل ممض أن يلجأ إليها في ما يتعلق بمجال سلطانها.
الحجة الشكلية الثانية:
وجاهة دعوى التصفية العرقية. لم يكن هدف المدعي إثبات أن ما يجري يصح عليه الوصف بل هو يعتبره قابلا لأن يوصف به وأن ذلك هو ما ينتظر من المحكمة في غاية المحاكمة.
لكن طلبه ليس هذا الغاية بل ما يحول دون تمادي ما يجري الذي يمدنا بالكثير من القرائن بأنه بالوقائع والنوايا يمكن أن يكون الغاية في الحكم ولذلك فالمطلوب هو الإجراءات الاحترازية لإيقافه إلى أن تقضي المحكمة بحكمها.
نوعان مضمونيان:
وكلاهما لا ينفيان الوقائع والنوايا بل يبررانهما.
الحجة المضمونية الأولى:
الدفاع عن النفس ضد عدوان حماس يوم 7 أكتوبر. وإذن فتوصيف محامي المدعى عليه لا ينفي الوقائع التي وصفها المدعي بل يكتفي بتبريرها بالدفاع عن النفس ضد عدوان ينسبه إلى حماس مع جعله بداية مطلقة ولا ينزله في تاريخ الصراع كله.
الحجة الضمونية الثانية:
حماس تستعمل المدنيين والمؤسسات المدنية دوارق في حربها. وإذن فتوصيف المدعى عليه يزيد التبرير الأول ما يدعمه بالقول إن ما حدث من قتل للمدنيين علته أن المقاومة الحماسية تتدرق وراء الشعب وفي الأنفاق.
لكأنه هو لا يتدرق وراء الآلات التي لا يملكها المقاوم الفلسطيني وكان يمكن ألا يتدرق وراء شعبه لو كانت الحرب تجري في بلاده لأن ساحة الحرب تشمل المقاتل والشعب في آن.
الحجة الخامسة الجامعة وهي أساس هذا الخبط العشوائي:
إسرائيل التي هي ضحية هولوكوست لا يمكن أن تكون صاحبة هولوكوست. وهذه حجة سوفسطائية لأن المقدم فيها حتى لو سلمنا بصحته -أي إن إسرائيل عاشت الهولوكوست بالشكل الذي يسيطر على سردياتها- لا يترتب عليه التالي إلا إذا صح أن:
المسروق لا يسرق
والمكذوب عليه لا يكذب
والصادق مرة يصدق دائما إلخ…
وكلها من الحالات التي يكذب فيها التالي المقدم في كل هذه الحالات لأن المسروق قد يسرق والمكذوب قد يكذب والصادق مرة أو حتى مرات قد لا يصدق مرة أو مرات.
ولأبدأ بالحكم العام على أني لم أر في حياتي دفاعا بهذا الشكل يتحول شكلا مضمونا وتأسيسا في الغاية إلى إثبات حجج المدعي مثل ما حصل في اليوم الثاني لسماع طرفي الخصومة.
ذلك أن المدعي لم يطلب ما يحتاج إلى إثبات التهمة ولم يدع أن التهمة ثابتة بل هو يقدم قرائن تجعل تواصل ما يحري قد ينهي أهل غزة فلا يبقى معنى لدور الحماية الضرورية التي تمكنهم من البقاء حتى يروا قرار المحكمة حول التهمة التي تكون حينها قد أنهت النزاع كمن يريد أن يحاكم أمريكا بعد أن أفنت الهنود الحمر.
ما يطلبه المدعي هو إيقاف ما يجري لمنع تكرار ما حصل للهنود الحمر ولكل الحالات التي حصل فيها تصفية عرقية أفنت الشعوب التي أنتجت تبديل مطلق لأهل بلد من البلاد التي استعمرها الغرب. ومن ثم فالطلب يعلق بالقرار الاحترازي أي إيقاف ما يجري وترك مسألة إثبات التهمة إلى حسم القضاء فيها وهو ما قد يتطلب سنوات.
وفي مثل هذه الحالة فإن القرائن كافية لإقناع القضاة بضرورة الإجراء الاحترازي لأنهم إذا لم يفعلوا سيكونوا وكأنهم مشاركين في الجريمة التي ركني حصولها أو حصول ما يؤدي إليها متأكد في الوقائع وفي النوايا. قوة الدعوى هي في بساطتها واعتدالها.
بحيث إنها جعلت كل قاض في المحكمة وكأنه يتحمل مسؤولية ما قد يترتب على قراره في تقييم القرائن المتعلقة بالوقائع والنوايا تقييما قد يحمله مسؤولية عدم حماية شعب من الاندثار لتراخيه في عدم اخذ الاحتراز الضروري كمن ينتظر الغريق حتى يموت ليقضي بأنه شارك في موته لعدم الإسراع في إنقاذه.
فلكأن أساس المطلب هو وضع القضاة في وضعية مساندي إسرائيل في الغرب: كلهم شاركوا في الجريمة لأنهم مكنوها من التحقق بعدم حماية الضحية التي الكل يراها بالعين المجردة في الوقائع وفي النوايا.
ولهذه العلة كان رأي كل مساندي إسرائيل يحتج بنفس الحجج التي استعملها محامييها ويعتبرون ما يحصل المسؤول عنه هو حماس وليس إسرائيل لأنها ليس لها طريقة أخرى لحماية نفسها مما يسمونه إرهابا لكأن القضية بدأت يوم السابع من أكتوبر وإسرائيل هي الضحية: فتكون الحجة الأساسية الخامسة التي هي حجة سوفسطائية من نوع هل يعقل أن يكون المسروق سارقا؟
مبدئا يبدو ذلك مستحيلا. لكنه واقعيا نعم فالمسروق ليس يمكن فحسب أن يكون سارقا بل الحالة هي كذلك ليس في حالة إسرائيل فحسب بل في كل حالات الهولوكوست:
فالذين افنوا الهنود الحمر هم في الغالب من فروا من الإفناء في الحروب الدينية الأوروبية: يعني البروتستانت بسبب إرهاب الكاثوليك.
أو هم من أفنوا شعوبا في أوروبا ثم شرعوا في غزو العالم: الإسبان والبرتغال في حروب الاسترداد فتكا بالمسلمين واليهود.
نعم يمكن لمن كان ضحية الهولوكوستات الغربية أن يكون صاحب هولوكوست الفلسطينيين.
وهكذا يتبين أن المرافعات التي قدها محاميو جنوب إفريقيا فاقت بقوتها وبذكاء صوغ الدعوى ما لم يخطر على بال إسرائيل ومحامييها وعلى بال حماتها ومسانديها وهي علامة قاطعة أن الله يوفق صاحب الحق فيعمي صاحب الباطل ويفقده المنطق السليم فيصبح في تفكيره عنجهيته والوحيد الذي يصدق سردياته التي سقطت: فإسرائيل والغرب الذي يساندها صار يخبط خبط عشواء.
ومثلهم الأعراب الذين هو أحرص من إسرائيل والغرب على الحسم الذي ينهي حماس والمقاومة حتى يبقوا غفراء على محميات خاضعة للاستعمارين الصهيوني الغربي والصفوي الشرقي.
ولذلك فهذه الضميمة الأولى ستتلوها ضميمة ثانية افسر فيها علة الضعف العربي وتحول كل حكام العرب ونخبهم إلى “صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ” لما سنرى من العلل.