أبو يعرب المرزوقي
ملاحظتان لا أكثر:
الأولى: صمود 100 يوم لفصيل صغير أمام ما كان يظن قوة لا تقهر حققت في آن هزيمتين للعدو كلتاهما كانت تعد مستحيلة فصارت تعد من معجزات “وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى” بالمعني الذي شرحته.
أي دلالة مفهوم الكسب الأشعري بديلا من وهم التحسين والتقبيح المعتزلي. فالرمي الإلهي هو يتعلق بشروط قدرة الرمي الإنساني على إنجاز ثمرة الفعل فتكون الآية دالة على التوفيق بين الشرط والمشروط..
الثانية: صمود 100 يوم لفصيل بدا وكأنه يتحدى هيمنة عالمية لم تكتف بالمدد المادي للعدو بل أمدته بكل أدوات الحماية الدعائية والإعلامية وفرض الأكاذيب التاريخية التي يتأسس عليها.
فانتصرت عليهم جميعا إذ حررت شعوب العالم عامة وشعوب الغرب خاصة مما تعاني نخبهم من النفاق والبهتان: فأثبتت أن نخب الغرب خاصة خاضعة لنخب العرب من الوقوع تحت تأثير مافياوي عالمي هو لوبيات الصهيونية.
وإذا جمعنا الملاحظتين وجدنا حقيقة ما يحصل في المحاكمة الحالية ليس بفضح هذا السلطان الإسرائيلي فحسب بل فضح كل مساعديها من نخب الغرب ونخب العرب الحاكمة سياسيا والحاكمة فكريا وإيديولوجيا.
فصوت الحق الذي مثلته الحجج التي عرضها محامو جنوب إفريقيا كان أبلغ ما يكون في الحجاج القانوني. والعلة ليست فصاحة المحامين فحسب بل خاصة لكونهم كانوا في غنى عن تزييف الحقائق فاكتفوا بعرض أدلتها المادية.
وتأكد ذلك لما جاء دور الدفاع الذي قدمه محامو المجرمين: فكلها حججهم كانت دالة على صحة القسم الثاني من استدلال محامو جنوب إفريقيا: فهي استدلت على النوايا.
فقد كان عرض أقوال مسؤولي إسرائيل السياسيين من السلطتين التنفيذية والتشريعية والعسكريين المباشرين والمعلقين فلم يستطع محامو إسرائيل نفيها واكتفوا بمبرر الدفاع عن النفس ردا على 7 أكتوبر.
فكانوا بذلك شهودا على إثبات النية والوقائع في آن: فإثبات النية بعد الوقائع جعل صوت الباطل يشهد لصوت الحق. ذلك أنه كان ممثلا للشهادة الضمنية بصحتيهما.
فاختيار طريقة التبرير تعني الاعتراف بالجرم الذي وصفه صوت الحق كان كافيا ليكون اعترافا من صوت الباطل: محامو العدو الإسرائيلي لم ينفو ما لا يمكن نفيه من الوقائع ولا من النوايا بل حاولوا تبريرهما بالدفاع عن النفس من عدو يريد تحقيق هولوكوست جديد.
وهم بذلك يعترفون بهولوكوست جديد يثأر لهولوكوست قديم كانوا ضحية له بهولوكوست ضد شعب لا ناقة له ولا جمل في ما يزعمونه بحيث صارت مساعدة الغرب لهم تكفيرا عنه لأنهم هم فعلته وهم يكررونه في فلسطين منذ قرن وهكذا فقد تم الانتصار الذي حققه الطوفان بمراحله الخمس:
- الوقائع الشاهدة على الهولوكوست الحي الذي تقوم به إسرائيل بمساندة الغرب والخونة من العرب الذين هم احرص حتى من إسرائيل والغرب على القضاء على حماس والمقاومة الفلسطينية.
- النوايا التي تثبت أن الأفعال التي لم تكن مفاعيل جانية للحرب بل هي كانت بالقصد والترصد لقتل المدنيين من قادة اسرائيل وجيشها ومن سنديها الغربي والعربي: إذ شهدت إسرائيل على مصر التي نسبت إلى قياداتها حصار غزة ومنع المساعدات الدولة لأهل غزة.
- شروع الراي العام الدولي والغربي خاصة في فهم القضية والعودة بها إلى أصلها الذي يلغي حجة الدفاع عن النفس لأن المتحل لا يحق له حماية نفسه لإدامة عدوانه: فهي مظلمة عمرها قرن.
- والعجيب أن الشعوب العربية مثلها مثل أنظمتها أقل التزاما بالدفاع عن شعب يباد أمام ناظرهم وهم لا يتحرك فيهم أي دافع إنساني ما يثبت ما وصفه ابن خلدون من فساد لمعاني الإنسانية في الشعوب العربية التي تستمرئ العبودية.
- لكن الصمود الذي أتوقعه في مقبل الأيام وخاصة بعد أن تحكم المحكمة حتى بأدنى الممكن وهو ما أتوقعه أي :
إطلاق المدد المعيشي للحاضنة ومنع مواصلة الحرب المتوحشة دون إيقافها لكنها ستجعلها تحت مراقبة العالم بعد الحكم فتكون النتيجة تحقق شرط المطاولة الفلسطينية وهي كافية لأنها ستؤدي لانهيار الجيش المعتدي فيتكرر الطوفان الحاسم: الشروع في تحرير ليس غزة وحدها بل كل فلسطين.
فإذا انهار الجيش الإسرائيلي فلن يستطيع منع طوفانات متعددة تصل غزة بالضفة هذه المرة لأن كل ما يحيط بغزة سيصبح خاليا من المعمرين ومن حماتهم.
ولن تتردد فتح من اللحاق بحماس حتى تسترد بعض الوهيج. وفي الحقيقة فسكان الضفة لم يتوقفوا عن المقاومة والمحتلون وقعوا في خطأ لا علاج له اعني محاولة التهجير المتدرج الذي صار علنيا ورسميا في خطاب الحكومة الحالية وأفعالها.
لذلك حذرت من إضافة محمية 23 إلى 22 في جامعة الأنظمة حلا تريد أمريكا فرضه لمنع انهيار إسرائيل ومواصلة التطبيع وأبرز ما يعبر عن ذلك حماقات المنقلب ودبلوماسيته المنافقة عودة لكذبة شعار “التطبيع خيانة عظمى”.
ولا بد إذن من بعث جامعة الشعوب وتسميتها فدرالية الوسط لتجمع لكل الشعوب دون تمايز غرقي يوحدها الإسلام والتاريخ والجغرافيا والمصالح في عصر العماليق.