عن مبادرة جنوب أفريقيا الجريئة لوقف الابادة الجماعية في فلسطين
برهان غليون
يشكل دفع جنوب أفريقيا ملف الإبادة الجماعية الإسرائيلية الى محكمة العدل الدولية حدثا تاريخيا سيكون له تأثير بعيد المدى ليس على المسألة الفلسطينية ومصير الشعب الفلسطيني فحسب وإنما على مصير الشرق الأوسط والوضع الإقليمي بأكمله مع تفكيك قنبلة الاستثناء الإسرائيلي الذي جعل من حياة المنطقة حربا دائمة ونزاعات ومؤامرات لا تنتهي وحرمتها من أي استقرار أو سلام.
وفي ما وراء ذلك وتأثير لا يقل أثرا على المنظومة الدولية التي كان لتجنيب إسرائيل أي مساءلة وتحصينها ضد أي محاسبة أو عقاب الدور الأكبر في تعليق حكم القانون الدولي والتساهل مع الانتهاكات الخطيرة في العلاقات الدولية واستسهال استخدام حق النقض من قبل الدول الكبرى وتعطيل مجلس الأمن.
بالتأكيد لن تستطيع محكمة العدل الدولية معاقبة إسرائيل ولا إدانة من يقف وراءها من الدول التي لا تزال تراهن عليها للحفاظ على مصالح لا شرعية في المنطقة والعالم، وهذه المعاقبة ليست من اختصاصاتها. ما نتوقعه ونطلبه من المحكمة الدولية هو إدانة إسرائيل وإبراز جوهر سياستها العنصرية ووضع حكومات العالم أمام مسؤولياتها أيضا ووقف حرب الإبادة الجارية وإعادة الاعتبار للقانون الدولي الذي فقد أي اعتبار.
وبالتأكيد لن تتخلى الدول الغربية الداعمة لإسرائيل عنها وعن دورها الأساسي في تقويض السلام الإقليمي وابتزاز الدول والحكومات لانتزاع اكثر ما يمكنها انتزاعه من مكاسب لاشرعية. لكن حكومات عديدة أخرى وقطاعات واسعة من الرأي العام العالمي سوف تستيقظ أمام تمادي العنصرية وتنحاز للقانون الدولي ووقف الانتهاكات الخطيرة للحقوق الإنسانية. هذه معركة أخلاقية وسياسية لا تقل أهمية من الحروب العسكرية.
نزع الوضع الاستثنائي الذي جعل من إسرائيل دولة فوق القانون وشجعها على تبني سياسات عنصرية من دون عقاب لن يعالج نزوعها البنيوي للعنف والإبادة ضد الفلسطينيين وإنما إنزالها من السماء الى الأرض وتسهيل محاسبتها كدولة وليس كأسطورة، وإجبارها وحماتها على التراجع عن خياراتهم العدوانية وإعادة الاعتبار للقانون الدولي الذي كانت حماية تمدد الاستيطان الإسرائيلي خلال نصف القرن الماضي احد اكبر الأسباب في تعليقه والتشجيع على خرقه وتعميم قاعدة الكيل بمكيالين ومعها بث الفوضى وإشعال النزاعات في مختلف بقاع العالم.