أبو يعرب المرزوقي
توقعت أن ما سيسعى إليه الغرب لن يكون مختلفا عما حصل بعد غزو بغداد استكمالا لتهديم قوته في الحرب عليه بعد غزوه للكويت. وكنت ضد الوقوع في فخ غزو الكويت وخاصة ضد قبول العرب بتهديم العراق.
ومن سمع تصريحات بلنكن وزير خارجية أمريكا أمس يفهم أن الأمر سيكون ليس مثله فحسب بل ادهى وامر لأن الأمر كله لن يتجاوز في الغاية إضافة محمية عربية عدد 23 مع تعميم الاحتلال الإسرائيلي والإيراني للإقليم وللعرب منه خاصة.
المحميات العربية
فالجامعة العربية تتألف من 22 محمية ستضاف إليها محمية عدد 23 هي ما تعد به أمريكا العرب مع ترك ذلك “للكالند جراك” أي تكرار نفس خطة أوسلو التي نرى ما آلت إليه الضفة بمقتضاه.
فيكون الوعد هو تحقيق إسرائيل الكبرى وإيران الكبرى بمنطق الهوينا لأن الهدف هو إلغاء مفعول الطوفان وتبرير استئناف التطبيع. وهذه الخطة يراد في العلن توريط تركيا فيها مع المحميات العربية المطبعة أو التي في طريق التطبيع لكنها تجري في السر مع إيران لترضيتها بحصتها من السيطرة على الإقليم.
إيران وميليشياتها العربية
سيقال مالك تدخل إيران في كل تحليلك وهي الوحيدة حاليا التي تقاوم بميليشياتها العربية في الهلال وفي اليمن؟ ومباشرة يطبل أصحاب الاحتجاج على موقفي بالزعم أن العرب قاعدون ولا يقاومون وليس في ذلك وجه مقارنة بينهم وبين إيران وميلشياتها.
وطبعا لا أجادل في قعود العرب بل اسلم به. لكن شتان بين مفعول العجز العربي على منزلة العرب وبين التماثل بين المشروعين الإيراني والإسرائيلي في التنافس على امتلاك ما يعجز أصحابه عن حمايته.
لذلك فكلامي ليس لوما لإيران ولا حتى لإسرائيل بل هو بيان ما يجري مع حصر اللوم في العرب لأني لا ألوم من يستولي على رزق مات أصحابه.
لذلك فالطوفان عندي هو المناسبة التي فضحت هذه الموت: فهم يسعون ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا لتحقيق مشروع الساعين لإراحتهم من الذين أقدموا عليه بحيلة المحمية 23 في الجامعة المفرقة.
والمعلوم أنه وعد لن يكون مفعولا حتى بصفة المحمية لأنه مجرد خطة لإعطاء الوقت للوقت حتى تنهي إسرائيل تهويد الضفة وغزة لتكون قد حققت ما سبقتها إليه ايران التي سيطرت على العراق وسوريا ولبنان واليمن والكثير من المحميات الخليجية وإن بشكل التقية التي لم تفصح بعد عن نفسها.
لذلك فالمشهد الحالي هو التالي: إيران وروسيا يسيطران على الهلال واليمن. إسرائيل وأمريكا يسيطران على المحميات العربية الباقية مع رديفين للحلف الأول هو الصين ورديف للحلف الثاني هو الهند:
- وبذلك تتم محاصرة دور تركيا في الحلف الأول.
- ومحاصرة دور باكستان في الحلف الثاني.
فيكون العرب في الحالتين “الديك التركي” في المسرحية الدولية: “لا داند د لا فارص” وهم الأحوج للوعد بالمحمية 23 تضاف إلى الجامعة المفرقة وهم لم يتنظروا ما يجري حاليا فذلك هو عين ما اتفقوا عليه في بيروت سنة 2003
بمقترح أوحى به أحد الصحفيين على ملك السعودية: عبد الله ما يسمى بمشروع دال على الحمق الأقصى: الأرض مقابل السلام من محميات لا تحارب. لذلك كان الجواب السليم من إسرائيل: ما دمت أنا من يحاربكم فإني مستعد لإيقاف الحرب مقابل تنازلكم عن الأرض.
الإبراهيمية
وهو ما يهدف إليه ما يسمى بالتطبيع وبمشروع الإبراهيمية الذي تكلمت عليه في محاولة التذكير بما غاب في فتوى علماء السعودية الفتوى التي أخلت بأهم عاملين يتميز بهما الإسلام لتشويهه ليس بقصد على جهل بآيات صريحة في القرآن.
فإبراهيم ليس يهوديا ولا نصرانيا ورفض الإبراهيمية التي تستعمل غطاء للتطبيع لا علاقة له بنسخ اليهودية والمسيحية لأن القرآن لم ينسخهما بل نسخ تحريفهما ولم يدعوا لمحاربتهما إلا بالقرآن من حيث هو نقد بمنطق التصديق والهيمنة والقبول بوجودهما أمرا واقعا بوصف التعدد الديني في عالم الشهادة.
فهو شرط في التسابق في الخيرات (المائدة 48) حتى يكون الإسلام تبينا للرشد من الغي ووصولا ذاتيا وحرا للإيمان بالله بالتحرر من الطاغوت ودينا خاليا من الإكراه (البقرة 256).
وهو شرط كونية الإسلام بوصفه رسالة موجهة للإنسانية لا يشترك وحدة الأديان في واقع أمرها بل في غاية واجبها عندما ينقل القرآن البشرية من الإخلاد على الأرض إلى المتعاليات المشتركة التي هي الديني في الأديان والفلسفي في الفلسفات من القيم.
وخاصة من القيمتين اللتين يبني عليهما وحدة الإنسانية: أي الأخوة البشرية (النساء 1) لأنهم كلهم من نفس واحدة والمساواة بين الأعراق والأجناس لأن العدد البشري من آيات الله إذ هو شرط التعارف معرفة ومعروفا ولا تفاضل عند الله إلا بالتقوى.
وهكذا يتبين أن العرب ساستهم وعلماؤهم ابعد الناس عن المعاني القرآنية التي يمكن أن تناسب حقيقة الاستراتيجية القرآنية التي تمكن الأمة من استعادة دورها في سياسة العالم لأنهم نكصوا إلى أخلاق الجاهلية.
يفاخرون بمظاهر الشجاعة في الاقتتال الداخلي والحروب الأهلية. وما كان منطق الحروب محكوما بالسباق بين داحس والغبراء صار بين ما يستأجرونه من لاعبي الكرة وقحاب السياحة وصحابة الانبطاح والحداثة البدائية.
الطوفان
وختاما فإني متفائل بأن الطوفان سيتغلب على كل هذه المؤامرات التي لم تبق خفية بل هي صريحة خاصة إذا عملوا بما عمل به الفاتحون. جمعا بين ما يترتب على المخمس الاستراتيجي القرآني الذي طبقه الرسول والفاتحون قبل أن تنهار الخلافة الأموية:
- فلا بد من الجمع بين نوعي الاستراتيجيا التي يمثلها سن تسو وكلاوس فيتس ولكن من دون ما فيهما من انبناء على أخلاق العبيد: سن تسو بمنطق التخريب الروحي وكلاوس فيتس بمنقط التهديم المادي.
- وتعويض منطق سن تسو بالبناء الروحي الإسلامي المعتمد على الأخوة البشرية (النساء 1) وعلى المساواة بين الأجناس والحضارات (الحجرات 13).
- وتعويض منطق كلاوس فيتس بمنطق البناء المادي فالمجاهدون مأمورون بعدم تهديم المعابد والنبات والحيوان والمدن وقتل الأطفال والشيوخ والتعدي على الأعراض وتلك هي علة وجود زواج المتعة لتجنب الاغتصاب الذي كان معمولا بها في الحروب.
- ويكفي لفهم ذلك تذكر وصية الصديق لجيش الفتح. فقانون الحرب الأول في تاريخ البشرية وضعه الإسلام. وإلى يوم الناس هذا ما يزال الغرب والشرق يستعملون أخلاق العبيد في الحرب لأنهم يعتبرونها حرب ثأر وليست دفعا للظلم عن الظالم والمظلوم في آن عندما يكون حرا يؤمن بمنطق العفو عند المقدرة بمنطق اذهبوا فأنتم الطلقاء.
- وكل ذلك يتحقق بفضل معنى الجمع بين حرب الكر والفر وحرب الصفوف. فالفر ليس الهروب من ساحة القتال بل هو بين التمييز بين المعارك المتوالية بصورة تكون فيها الدبلوماسية هي معنى الفر أي الهدن التي تبحث عن الحلول السلمية.
بحيث إن جل الانتصارات في الفتح كانت صلحية وهو ما يحدث خلال ما يشبه الهدن التي تمكن من التفاوض على معاهدة سلام -ولعل العهدة العمرية افضل مثال- بعد فهم الهدف من الفتح الذي لا يغير وضع البلاد المفتوحة بسلوك العبيد الذين ينتقمون بدلا من الأحرار الذين يعفون عند المقدرة.