نصيحتي لحماس تجنبي الاستهانة بالعدو كما استهان بك
أبو يعرب المرزوقي
الاستهانة بالعدو
أعلم أن هذا النص -وإن ليس فيه جديد لأني قلته من اليوم الأول الذي حاورتني فيه قناة الزيتونة حول الطوفان- سيعتبر من جنس خالف تعرف أو من جنس تثبيط العزائم.
لكني لست ممن يهتم كثيرا بأحكام غيري على الأمانة التي أومن بها في شروط القضاء في المسائل جوهرية في حياة الأمة: الأمانة والعدل (النساء 58).
وكل فكر حر في المسائل الخلقية والسياسية قضاء في المجال الاستراتيجي المحقق شروط حرية إرادة الأمم ورجاحة حكمتها. وفيه يكون المرء بمسؤولية المواطن حكما حتى وإن لم يحكمه أحد: فهو فرض عين.
بصراحة بدأت اشك في الفهم الاستراتيجي عند اللواء فايز الدويري خاصة وهو المؤول شبه الرسمي للأحداث الحربية الجارية في غزة.
فهو يكتفي بالوقائع الجارية ولا يرى بالمآلات المتجاوزة للحاضر دون المستقبل القريب وخاصة البعيد.
وهذا هو مأخذي على تحليلاته وإذن فلست أقول ما سأقوله هنا شكا في معرفته بالحرب وشروطها: فهو رجل مختص وكفء. لكن ذلك لا يمنع من أن ابدي رأيي بالتذكير بشروط الحذر الواجب في كل حرب.
لا اشك في حسن نيته ولا في صدق طويته. لكن ذلك لا يكفي بل لا بد من الحذر الشديد لأن وضعية المقاومة السنية ممثلة بحماس ليست بمنأى عن المؤامرات التي لا تحصى ولا تعد.
فالمعطيات الكثيرة التي أراها غائبة في تحليله هو ما دعاني من اليوم الأول الذي تكلمت فيه على الطوفان -كتابة وحوارا. فغيابها قد يصبح علة لفقدان كل ما تحقق إلى حد الآن لأن شروط المطاولة ليست متوفرة بحيث تكون المعركة وكأنها فاصلة.
والحماسة لا تناسب التحليل الاستراتيجي في مثل هذه الحالة والإيمان والشجاعة والصبر مهما بالغنا في دورها لا تكفي لربح الحروب الطويلة بين جماعة معها العالم كله وقلة كل من يحيط بها يعاديها.
فلحرب المطاولة قواعد كلها غائبة في مثل الحالة التي تحصل حاليا في غزة وذلك لعلل التالية التي لم يأخذها بعين الاعتبار يبالغ في التفاؤل وعدم الحذر:
- فأولا المطاول في الحرب ينبغي أن يناور في المعارك بحيث يحول دون إطالتها حتى يجعل العدو يفقد الصبر ويتخلى بالتدريج عن توحشه.
- وثانيا المطاول يعمل بالمكان والزمان ولا يكتفي بالصدام الدائم فيطاول بتوسيع مكان الحرب وإطالة مدتها وكلاهما مستحيل في مكان ضيق ومحاصر وليس له حلفاء.
- ثالثا المطاول يحالف من يريد له الخير والانتصار ولا أحد حول غزة يريد لها الانتصار بما في ذلك نظام الضفة وهو الأقرب إليها رغم أنه في نفس الوضعية بمعنى التعرض للتصفية ولكن بسرعة أيضا.
- رابعا المطاول يحتاج إلى المدد من الحلفاء وإلى المحافظة على الحاضنة وكلاهما قد تفقدهما حماس لأن العدو يحول دون المدد حتى لو وجد ويقتل الحاضنة ويهجرها.
- وأخيرا المطاول يربح الحرب ضد شعب لا يكون خسران الحرب بالنسبة إليه نهاية وجوده. فتصبح كل المعارك وجودية إذا طالت ولم تتوزع في الزمان والمكان.
في كل هذه الحالات المفروض أن يكون التحليل عكس ما يجري بحيث إن الدبلوماسية الحماسية ينبغي أن تتخلى عن التشدد في الظاهر وتكتفي بمتوالية من المناورات التي لا تحتاج فيها لتحديد غاياتها البعيدة وتكتفي بالقريبة التي يكون حصولها محققا لمقدمات تحقيق البعيدة في الغاية خاصة والعدو يستطيع المطاولة بعكس كذبة حسنين هيكل:
أي دعواه إن بإسرائيل تزول بمجرد خسران معركة. فالغرب يسندها ولن يتركها إلا إذا تحقق شرط ردعه وهو بعيد المنال
لأن جل العرب احرص من الغرب على إسقاط حماس وهم صاروا في العلن يتمنون عليه الحسم وإنهاء حماس.
وكل من هم من حول فلسطين حلفاء إسرائيل ولو من تحت الطاولة وجلهم طبع مع إسرائيل ومن ثم فإسرائيل يمكن أن تطاول اكثر من حماس لأنها طليقة اليدين في الإقليم ويأتيها المدد دون قيد ولا شرط.
والمعلوم أنه لا شيء يفيد بأن العرب من حول فلسطين سيغيرون سلوكهم ولا خاصة إيران ستساعد حماس بل هي تتنصل من 7 أكتوبر ولا تريد أن تخسر ورقة الانفراد بشعار المقاومة ومن ثم فهي لا تريد لها أن تربح المعركة ولا خاصة الحرب.
فمن لم يفهم أن إيران عندها مشروع اخطر من مشروع إسرائيل وإن ادعت السعي لتحرير فلسطين فهو إما أحمق أو خائن أو جامعا بين الصفتين.
فلا يمكن لمن يتكلم على استرداد اربع عواصم عربية لاستعادة إمبراطورية الأكاسرة مع ما فعل في العراق وسوريا ولبنان واليمن أن يكون جادا في المشاركة في تحرير فلسطين.
والثابت عندي هو أن أمريكا تفاوض إيران وميلشياتها حاليا ومعهم روسيا لتحقيق توافقات تجعلهم كلهم من صفها في ما تستعد له من محاصرة الصين وحيازة الطاقة والممرات التي توجد في دار الإسلام لتبقى سيدة العالم.
وإسرائيل مستعدة للتضحية ببعض المرتزقة وليس بأبنائها وهي لا تخسر مليم واحد لأن الغرب يعوضها كل خسائرها اقتصاديا وعتادا ومرتزقة-ممثلها ايران التي تمول ميليشياتها بإفلاس العراق وسوريا ولبنان وبمساعدة الإتاوات الخفية والخمس التي يأتيها من كل شيعة الخليج.
والخطر موجه لتركيا وباكستان وهما في وضعية حماس من حيث الحصار المضروب عليهم في الإقليم وفي العالم لانهما البلدان المسلمان الوحيدان اللذان لهما شيء من القدرة الرادعة.
أما العرب فقد قرأت عليهم الفاتحة لأنهم انقسموا إلى توابع إيران وروسيا وتوابع إسرائيل وأمريكا محافظة على وضعية المحميات. التي يحتمي حكامها العملاء بمن يعيدهم إلى ما كانوا عليه قبل الإسلام: قبائل تتناحر أو إلى ما صارت عليه أندلس الطوائف: فكل واحد منهم يعتبر أجواره اخطر عليه من أعداء أمته.
وهذا ليس صحيحا في الخليج والهلال فحسب بل وكذلك في المغرب العربي وفي النيل وفي القرنين قرن الجزيرة وقرن أفريقيا. وما ظل المحللون لا يأخذون بعين الاعتبار هذه المعطيات فهم سيدفعون حماس إلى الاستسلام في الغاية بعد أن تكون قد فقدت حاضنتها التي يركز العدو على إفنائها وتهجيرها.
لا بد من الحكمة الراجحة وتطبيق قواعد حرب المطاولة: بالمعارك الخاطفة التي تتكرر رغم استحالة توسيع المكان وإطالة الزمان بالنسبة إلى شعب يحاصره كل إخوانه ولا أحد يأتي لنجدته.
لا تقيسوا الأمر على فيتنام أو حتى على الجزائر: فكلاهما كان يأتيهم المدد من اكبر منافسي العدو في الحرب الباردة وهي شروط ممتنعة في الحالة الراهنة.
فلا روسيا مستعدة لشيء غير الاستفادة من المعركة في معركتها ولا كذلك الصين ولا أخيرا العرب ولا إيران لأن مشروعها هو ما وصفت ولا تركيا لأنها مستهدفة اكثر من فلسطين ولا باكستان لأن الهند لا يمكنها بناء الطريق البديلة من طريق الحرير مع العرب وإسرائيل من دون ردع باكستان..
لذلك فلا بد من نصح حماس وهو ما فعلت من اليوم الأول بالاستفادة من نصرها الحالي وعدم خسران اهم ثمراته أي الاستفادة من تحول الرأي العام الدولي.
وهو تحول لا يمكن أن يمكنها من تحرير فلسطين بهذه المعركة التي لن تكون الأخيرة إذا كانت تريد المطاولة وربح الحرب بالنقاط وترك الوقت للوقت حتى تحصل ثمرة النصرين الحاليين: القضاء على الردع الإسرائيلي وعلى سردياتها التي انهارت بعد ما وقعت فيه من وحشية. وليس في كلامي تثبيط بل هو جوهر العلاج الحكيم والله اعلم.