أنور الغربي
مرت أمامي صور لبعض السياسيين في تونس وهم “يدلون بأصواتهم” في انتخابات سمعت بها خلال هذا الأسبوع وهم يعرفون أنها شكلية ولا أحد له القدرة على تحديد هدف التصويت وعلى ماذا يصوت وما هي صلاحيات الغرفة المستحدثة ودورها وكيف سيتم تمويلها وكيفية عملها في ظل تفكيك مؤسسات الدولة وتبعيتها بالكامل لساكن قرطاج الحالي. والأخطر كيف يتم تمويل كل هذه الانتخابات العبثية والفاسدة بحسب تصنيف الشفافية الدولية.
كلهم يعرفون أن المسار برمته ومؤسساته وغرفه هي مرتبطة ببقاء شخص اسمه قيس سعيد ولا يمكن أن تصمد يوما واحدا بعد ذهابه وكلهم يدركون انهم يساهمون في بناء السراب ويؤسسون للخراب ومع ذلك لا يجدوا حرجا في إعلان ذلك والبوح به علنا في تحدي كبير للمجتمع والشعب وقيم العقل والفكر.
هي مجرد نزوة عابرة لا تؤسس لقيمة ولا مسار محترم يعتد به.
القاعدة الفقهية تطالب بالستر لمن يقدم على معصية بحق نفسه فما بالك اذا كانت بحق الوطن والأجيال.
إن المشهد السياسي التونسي في قمة البشاعة والضياع والتبعية وما استقالة الديبلوماسية من أي فعل سياسي دولي إلا دليل على غياب المنطق والعقل السليم ولولا منطق الأولويات لكتبت في هذا الكثير.
ما أراه اليوم في عدد من بلادنا العربية المتورطة في الانقلابات يذكرني بسلوك البعض من مراهقي حينا بداية الثمانينات من القرن الماضي.
خلال فترة الصيف كانوا يأتوا أسبوعيا بأحد المومسات المجهولة الهوية لديهم ويسكنونها لليلة واحدة في إسطبل أبقار في ضواحي المدينة وكان أغلب الفتية يعلمون ما يجري ولكن لا أحد يذكر ذلك علنا الى أن جاءني أحد المنظمين للسهريات الجماعية يسألني عن تأثير ما يقومون به على صحتهم بعد تزايد الحديث عن مرض السيدا القاتل.
قال نحن نأخذ كل الاحتياطات ويتم رش وغسل المومس بخرطوم الماء المعد لغسل الأبقار، ولكن صار نقاش بيننا على أن ذلك غير كاف خاصة أن المومسات “من الغرباء” وربنا يعلم أننا نعمل الخير ولا نسئ لأحد منا.
فذكرت له قصة دم البعوض الذي ينقذ الوضوء وقلت له ما معناه أنهم بالإضافة للإساءة لأنفسهم فهم يسيئون بفعلهم ذاك لكل النساء ولكل الرجال وللأخلاق ولاحظ أني لم أتحدث عن القانون السائد الذي كان يتساهل مع السلوكات المنحرفة لتلهية الناس ولكن قلت له أترضى أن تتحدث بهذا أمام أهلك أترضاه لأختك ولنفسك، قلت ستبقون تعانون من تأنيب الضمير ما حييتم إن لم تسارعوا بالكف عن هذا السلوك المشين بحق أنفسكم أولا ثم الأخرون من حولكم أما الخوف من السيدا فهذه مثل العلامة المرورية التي تجبرك على سلك طريق ما وتنبهك من مخاطر المخالفة.
الغريب أن بعض الأنظمة تواصل السير في المجهول متجاهلة كل الإشارات بل وتعلن على ما تقوم به من معاصي ومخالفات وتفاخر به وتقدمه كإنجازات.