علي بن مكشر
حين كان الخليفة العباسي مهتما بجمع المال والجواري، ويدقق في الخراج الذي يأتيه من خراسان، ويتفنن الشعراء في مدحه انتظارا لأعطياته، وكانت ممالك بخارى وسمرقند قلوبهم متعلقة بالحرير والديباج، وأمراءهم منشغلون بالقدود والخصور والقصور، وحاكم مصر الفاطمي يمارس عقده على شعب المحروسة، فيأمرهم بالعمل ليلا وإقفال كل الأسواق نهارا، لسبب بسيط، وهو أن جلالته يسهر الليل وينام النهار…
كان هناك رجل في أقصى الخريطة، في قبيلة بدائية، تأكل لحم الخيول، وتصفي حساباتها مع القبائل المجاورة حول الماء والمرعى وخطف النساء والأطفال..
هذا الرجل، وفي غفلة من النظام العالمي آنذاك، وحد تلك القبائل، ثم وفي وقت وجيز، زحف على تلك الممالك، وأكلها واحدة تلو الأخرى، ثم قتل منها ثلاثين مليون نسمة، عندما كان كل سكان العالم، لا يتجاوزون بعض مئات من ملايين السكان… لقد تمكن من غزو قارتين، بجيش بدائي، وأحرق المعرفة، ومكتبة بغداد، وقتل مليون مواطن في بغداد وحدها في أيام معدودة، والخليفة وقتها عندما بلغه حصار بغداد، اغلق قصره مع جارية كان يعشقها، وانتهى به الأمر إلى الإعدام: حكم عليه بالموت ضرباً بالأحذية.
الآن، وهنا، في الوقت الذي يقوم أمراء النفط بشراء فرق كرة القدم في أوروبا، وسلسلة الفنادق، وفي الوقت الذي يتسابق فيه المواطن العالمي على تحسين شروط العبودية، ويذل نفسه من أجل لا شيء كي يبقى على قيد الحياة، هناك بعيداً عن أعين الرقيب، رجال ونساء، جعلوا من بقعة صغيرة، علامة للحرية والرفض، وباعوا كل شيء من أجل الحرية.. ولم يكن العالم منتبها لأظافرهم المدماة، التي تدل بوضوح، أنهم بصدد حفر شيء ما، في جدار هذه الإنسانية المهترئة، والتي تعيش مواتا سريريا منذ زمن بعيد.
إن هذا العالم الذي ظن أنه “لا تأخذه سنة ولا نوم”، تبين بالمكشوف، أنه أوهن من بيت العنكبوت، حين تكون الإرادة منفصلة عن الأرض، متصلة بالسماء…
هل هناك مستحيل على من جعل من التراب (أكنانا)، وسرابيل، وهل يمكن أن يهزم ؟
إذن فتش عن الهزيمة في داخلك.