نور الدين الغيلوفي
انتبهتُ إلى صخب على الفيسبوك في اللغة العربية.. يقولون هذا يومها من السنة.. يوم 18 ديسمبر.. يوم اللغة العربية.. لست أدري إن كان لكل لغة من لغات العالم يوم من أيام السنة تختصّ به ويأخذ اسمها، ولا علم لي بكيف توزيع أيام السنة على لغات الدنيا من آلهة العصر الحديث التي لا تعرف بين اللغات عدلا.
الذي أعلمه أن العربية هي اللغة التي عُلّقتُها حتّى علقت بها وعقلتُ وعلمت لزوم الإضافة بينها وبيني أنا المجروح بها ولا بين بيننا لأنّي لست إلّا بها.. لم تعلّمنِيها أمّي.. تعلّمتها بالمدرسة ورضيتُ بها أمًّا ثانية أفهم بها أمّي حتّى قبل التكلُّم، من يوم فككت أبجديتها وولعت بأصواتها ومشيت على توقيع موسيقاها، قبلةً لقلبي وأنفاسًا لروحي أقول بها أحزاني وأحاول بها فرحي وألقي بها تحيتي على من تُحييني تحيتُه بها من أبناء هذا اللسان الممتدّ بين اليابسة والمياه.
بين يديها جلست وفي مهادها تربّيت طوعا وكرها فاشتدّ عودي على السنين وزرع المشيب نجومه في حدائقي باللغة العربية حتّى أشرفتُ على العمر من علياء عرشها.. وقرأت بها من مشيبي إعراب أيّامي.. ماضيها وما يبقى.
العربية مثل أمّي، لا يوم لها من سنة تمرّ دونها لذلك لا أنتبه إلى يوم وضعوه لها إلّا بأن تأتيَني به أخبار محبّيها.. أمّي نبض قلبي وتَرَدُّدُ أنفساني.. ينبض بها وتردّدها بهذه اللغة الوارفة.. لغتي مثل أمّي ليست يوما من السنة قد يمرّ بي وأنا ساهٍ.. فمن تدرّب على شغفها حمَلت عليه حروفُها تتعالق أسماؤها تتعانق جُمَلُها تتناسل نصوصها فأكون بها يكتبني لمن يقرأني قلمٌ لم أعد أراه.. يمسك بيدي قدرٌ خفيّ يوحي إليها فتكتب.. باللغة العربية الحانية.
لولا العربية لما كان فينا كلُّ هذا الوجع المُمضّ.. من تكلّمها أصابه من يوم النطق جرحٌ نازف لا يتوقّف نزفُهُ…
اللغة تجربة عشق قاعدتها الشغف وقوامها الإشفاق من أن تفقد آلة العبور إلى معناك يوما كأن ينقطع طريق الدال إلى مدلوله فتظلّ حبيسا لا تعبرك إلى غيرك ليقرأ منك ما تشتهي.. الاشتهاء لغة يضطرم ما حملَتْه، فإن هي ألقته همد.. ومن همد منه الاشتهاء فقدت ساعة عمره دقّاتها واضطرب عدُّها وسافر بها العدم إلى حيث لا معنى.