عن اتحاد الشغل الذي جعلوه خرقة
نور الدين الغيلوفي
حين كنّا نكتب في أداء قيادات اتحاد الشغل نصحًا وتنبيها، كانوا يتّهموننا بكلّ قبيحة.. قيادات متنفذّة في المركزيّة النقابية كانت تغتابني وتقول عنّي إنّني مكلَّف بمهمّة تشويه الاتحاد.
وكنت أذكّر، دائما، بأنّني نقابيّ أحترم العمل النقابيّ وأدافع عن الاختلاف.. وكنت أدعو إلى تنقية المنظّمة من الخلايا النائمة لأحزاب فشلت في العمل السياسيّ فاستعملتها لأهدافها السياسويّة وجعلت منها منصّة لمحاربة خصوم سياسيين فشلوا في منازلتهم في صناديق الاقتراع. ولكن لأنهم ليسوا ديمقراطيين ولا يؤمنون بالحرية لغيرهم فقد جرّدوا المنظمة من صبغتها الوطنية واتّخذوا منها درعا لهم يتخفّون وراءه من عجز ومن جبن ومن دناءة ولصوصيّة.
كانت المنظومة المتضررة من الثورة تنتظر.. وانخرط عناصرها في المنظّمة وصاروا ذراعها الباطشة حتّى قُطعت الطرقات وأغلقت أبواب المصانع والمعامل والشركات وبُنيت الجدران على سكّة القطار في سابقة لم يعرف العالم لها مثيلا.. وكانوا يسمّون قلّة الأدب والخساسة والبلطجة نضالا حتى رأينا “مناضلين نقابيّين” مَن كانوا، قبل الثورة، يعملون مخبرين للسلطة.. “قوّادة شُعَب”. ولقد استقوى النقابيون بالتجمعيين المتضررين من الثورة عليها وعلى من جاءت به.
قرأنا في وقفة الطبوبي الأخيرة بين يدي رئيس دولته ذلّا أشفقنا منه عليه.. فلقد بلع لسانه بعد أن كان سوطًا يجلد كلّ مخالف دون تقدير لعمر ولا لمقام ولا لعلم ولا لخُلُق.. وفقد وعيده بعد أن كان يصيب به كلّ من نطق في غير وجهته.. وصار زعيقه همسا.. بل دون الهمس، وهل بات من حقّه أن يهمس من دون إذن؟
قلنا كثيرا إن هذه القيادة إنّما هي عدوّ المنظّمة الأوّل وتوقعنا أن تكون نهايتُها على يدها.. ولقد فعلوا كل الذي توقعناه ولم يكذّبونا في قول كتبناه حدبا على منظمة رأيناها، ولا نزال نرى فيها، جدار الشعب المسحوق يحميه من سطوة سلطة لا همّ لها غير استمرارها باستقرار الأوضاع لها.
ولقد أُطرد الاتحاد من المشهد مذؤوما مدحورا وصار على هامش الهامش بعد أن كان طوال عشرية الديمقراطيّة يتصدّر المشهد ولا يتحدّث ناطق باسمه إلّا ولبس ثوب صلفه وصعّر خدّه للناس كأنّه ربيبُ إله.
لست شامتا ولا أفعل .. ولكنّني أرثي لمنظمة أنا من منتسبيها وأشفق على أغبياء ضعفاء خدعوا أنفسهم وخدعوا الناس حتى آمنوا بهم وصدّقوهم.
الآن تركوا الناس للجوع وعراء الشتاء والتحفوا بصمتهم يتنفّسون بإذن سلطة أدخلتهم جحورا لا يغادرونها إلّا إذا سمحت لهم.
فلا عاد عاش
ولا اتحاد
ولا أكبر قوّة
ولا بلاد.
اللعنة على الأغبياء وعلى غباء الأغبياء.