تشويها للامة قد يغامر الأعداء بـ 11 سبتمبر ثانية
أبو يعرب المرزوقي
بعد أن خسرت إسرائيل المعركتين المتلازمتين: معركة الردع المبني على وهم الجيش الذي لا يقهر ومعركة التحجج بالهولوكوست اليهودي لتبرير مثيله الفلسطيني المبنية على وهم اتهام ناقديها بمعادات السامية لكأن الفلسطينيين ليسوا ساميين هم بدورهم لم يبق لها إلا مخرج واحد وهو ما قد تقدم عليه.
فبعد الإقدام على حرب التطهير العرقي لسكان غزة والضفة بالوحشية يراها العالم بالعين المجردة بتهديم شروط العيش فيهما ظنا أن ذلك سيرد المهابة لجيشها ويحقق التهجير الذي هو من أهم شروط إسرائيل الكبرى وفشلهما فيهما معا مع خسران الرأي العام الدولي بما فيه الغربي قد تقدم على نظير 11 سبتمبر.
ولا يهم أين تفعلها ولا كيف سواء بمفردها أو بمساعدة إيران التي خسرت في هذه المعركة ما يعدل خسارة إسرائيل وخاصة في سردية معاداتها وقيادة المقاومة: فأي بلد غربي يمكن أن يكون محل العملية وأي أحمق من عملائهما كاف لإلصاق الفعلة الإرهابية إذا كان عربيا وسنيا خاصة. فهذا آخر ملجأ لهما.
ذلك أن التغير في الرأي العام الدولي بما فيه الغربي لم يعد يعتبر المقاومة الفلسطينية إرهابا ولم يعد يستسيغ تسمية ما تفعله إسرائيل دفاعا عن النفس لأنه هي التي تحتل ارض فلسطين وهي التي ترهب الفلسطينيين وهم يدافعون عن أرضهم وحقوقهم ضد احتلال استعماري وتطهير عرقي وتمييز العنصري بينين.
11 سبتمبر ثانية
فيكون المشكل هو البحث عن حدث يكون جنيس 11 سبتمبر لعله يعيد الساعة إلى ما كانت عليه قبل أحداث غزة فيكون محاولة لإثبات السردية التي تعتبر إسرائيل ضحية وإيران ممثلة للمقاومة النظيفة في حين أن الإرهاب ليس إلا عربيا عامة وفلسطينيا خاصة وهو المطلوب في مثل هذه العملية التي أتوقعها.
فمن فعلها حتى مع شعبه لتهجيره من كل أصقاع المعمورة حتى يتمكن من احتلال فلسطين لا يمكن أن يتورع عن فعل مثلها وأكثر بحيث يستعمل الإرهاب في الغرب حتى يسترد الرأي العام فيه فيحافظ على الحماية الغربية ويغطي على جرائمه وكانه بذلك يثبت دعوى الدفاع عن النفس ضد من ليسوا إلا حيوانات متوحشة.
لكن ما يمكن أن يردع مثل هذا المشروع هو مآل المشروع الذي يقاس عليه أي 11 سبتمبر: فما بنته عليه أمريكا كان مصيبة اعترفت بكون رد فعلها عليها جعلها تخسر كل مساعيها طيلة أربعة عقود وكانت نهايتها رجوع قوة روسيا واستعداد الصين لغلبتها في التمدد في العالم وتهديد منزلتها في قيادة العالم.
وبذلك فمثل هذه المغامرة حتى لو افترضنا إنطلاءها على الراي العام الدولي فستكون مصيبة اكبر على إسرائيل لأن ما تستطيعه أمريكا لا تستطيعه إسرائيل أعني التدارك الذي تبين عسيرا على أمريكا وهو حتما سكون مستحيلا على إسرائيل: سيكون حل اليأس والعجز لا حل الأمل والقدرة. لكن إسرائيل جنت.
الجنون الإسرائيلي
وعلامة الجنون الإسرائيلي مضاعفة: ما زالت لم تفهم أنه ضفدعة تحاكي فيلا وانتفاخها مآله تفجرها فتاتا. عرب اليوم ومسلموه غير عرب 48 ومسلميه. فإذا كان فصيل صغير قد هزمها واضطرها للاحتماء بترسانة الغرب كله دون القدرة على شيء فكيف يمكنها البقاء اقوى من العرب معا ومن كل المسلمين؟
هل يمكن للغرب عامة ولأمريكا خاصة أن تراهن على مثل هذا الوهم فتعادي ربع الإنسانية من أجل حماية إسرائيل التي لا تريد أن تندمج في الإقليم فتصبح معه وتريد منه هو أن يطبع معها مع بقائها قاعدة غربية في ارض وحضارة صارت فيها مثل أي فيروس تخريبي لتوازن الإقليم واستقراره؟ من يطبع مع من؟
صحيح أن جل حكام العرب وحتى نخبهم صاروا إما لجبن أو لعجز مستعدين للتطبيع مع إسرائيل بشروطها أي القبول بها كاو بوي عليهم وكأنهم أبقار أو عبيد يقبلون بتسلطها على الإقليم تفعل فيه ما تريد لأنها تملك السند الغربي والردع النووي مكتفين بالحفاظ عل الفساد والاستبداد والتعنت واحتقار شعوبهم.
ولهذه العلة فهم أكثر حرصا حتى من إسرائيل وإيران على القضاء على حماس وغزة بسرعة حتى لا تتعدد الحماسات في أقطارهم للمطالبة بالحرية والكرامة وهو ما يسمونه الإسلام السياسي الذي يقدمون حربهم عليه على كل الأعداء الذين يفقدونهم معنى السيادة والدولة في محميات كلها خاضعة لقواعد استعمارية.
في الحقيقة كل الأقطار العربية تعيش في ظروف أشبه بالتي يعيش عليها الفلسطينيون: فلا فرق بين من يحتمون بإسرائيل وأمريكا ومن يحتمون بإيران وروسيا من الذين يعيشون في فلسطين من عرب المخيمات إذ كل الأقطار العربية تخضع لسلطانين: الأنظمة وقوة المحميات ثم حماتهم وقواعدهم في المحميات القطرية.
ولهذه العلة يحافظ الغرب على دور إسرائيل وكذلك على دور إيران شرطيين ورادعين لكل إمكانية للاستقرار وتحقيق شروط السيادة في الأقطار بما يحدثاه من فتن بين الحكام الذين صاروا أشبه بظاهرة الطوائف التي قضت على الأندلس: فكل قطر عربي يعيش حربا مع أجواره بإيغار الحماة لصدورهم بعضهم على البعض.
وما حدث من الرباعية التي حاصرت قطر ليس بالبعيد حتى ينساه المواطنون. وما يجري بين الجزائر والمغرب بين لكل ذي عقل. وما حدث بين العراق وسوريا ثم بين سوريا والكويت ثم بين السعودية واليمن ثم بين السعودية والإمارات ثم بين ليبيا وتونس في عهد القذافي وبين مصر والسودان شواهد كافية على ذلك.
وبذلك يتبين أن قوة إسرائيل الوهمية وقوة ايران الأكثر وهمية منها كلتاهما ناتجة على علل ضعف العرب الذي هو نفس الظاهرة التي جعلت الأندلس تسقط أمام قوتين هزيلتين إسبانيا والبرتغال مستمدي القدرة من الحرب الأهلية الدائمة بين أمراء الطوائف الحمقى الغارقين في الفساد والاستبداد والترف.
وكان يمكن للمجموعات الخمسة التي تتألف منها جامعة العرب أن تحقق شروط الاستغناء عن الاحتماء بالأعداء لو تصادقوا بدل تعادي الصبيان بينهم: 1 مجموعة الخليج. 2 ومجموعة الهلال. 3 ومجموعة النيل. 4 ومجموعة المغرب العربي. 5 ومجموعة القرنين (الجزيرة وأفريقيا). لكنهم يفضلون اعتبار المحميات دولا
الأمر لا يقتصر على العداوات بين المحميات
وأخيرا فإن الحصيلة هي أن الأمر لا يقتصر على العداوات بين المحميات بل هي كذلك متجذرة في كل محمية: فالأعداء لا يكتفون بإيغار صدور المستبدين والفاسدين في الأقطار بعضها على البعض بل هم يحققون في إيغار الصدور في كل محمية: من هنا إدخالها كلها في حرب أهلية محلية وإقليمية شرطي الاستضعاف.
وهو من علل يسر الاختراق الذي يدس في كل الفصائل المتقاتلة بعقلية أمراء الحرب بعض العملاء الذين يقدمون على أفعال بدعوى مقاومة الأنظمة فيتكون ما يشبه داعش في كفي كل قطر ما يعسر التمييز بين المقاومة الصادقة والمندسين فيها لتخريب فعل التحرير والتحرر في المجموعات الخمس: فوضى عارمة.
وبذلك تصبح الفصائل إمارات حرب تفشل كل ثورة تحقق شروط السيادة والقوة. بذلك افشلوا الثورة في سوريا وفي اليمن وفي العراق وفي ليبيا وفي تونس بحيث إن حركة التحرر أوقفت كما أوقفت حركة التحرير فحصلت الانقلابات في مصر وليبيا وتونس واليمن: في التحرير باستقلال زائف وفي التحرر بتصحيح مخادع.
وكل ذلك يحدث مناخ ميسر لاندساس المخابراتي التي يمكن أن يكرر ما حدث في 11 سبتمبر تكرارا تأمل إسرائيل باسترداد المصداقية لدعواها تمثيل القيم الإنسانية والديموقراطية وإيران باسترداد المصداقية لدعواها تمثيل المقاومة والممانعة. ويبقى العرب مهرجي العرس الإقليمي لدور الطوائف أندلسا ثانية.