لم تتوقف الحرب غير المتكافئة لتعود…
عبد الرزاق الحاج مسعود
الحرب غير المتكافئة بين جيش احتلال يمتلك أحدث ما تنتجه التكنولوجيا العسكرية الغربية والأمريكية تحديدا من وسائل قتل وتدمير وفتك تمكنه من القصف من الجو ومن البحر ومن البر ويتمتع بإمدادات عسكرية يومية من مصانع السلاح الأمريكية، ويحظى بدعم مالي غير محدود لإنفاقه العسكري، وبتأمين الغذاء والدواء لسكانه…
مقابل مجموعات فدائية غير عسكرية تستعمل أسلحة خفيفة مطوّرة ذاتيا ولكنها لا تمتلك من الإمدادات إلا ما خزنته تحت الأرض بما يعني أن مخزونها من السلاح والغذاء سينفد حتما. مجموعات تمتلك إرادة قتال أسطورية ولكنها تتحرك وسط جثث وأشلاء شعبها الذي يباد بكميات هائلة من القنابل التي لا تملك القدرة على اعتراضها، والذي يغلق عليه العالم منافذ الماء والغذاء والدواء حتى أنه يموت عطشا وجوعا ونزفا ووجعا.
بما يجعل صمود المقاومين والناس المحاصرين كليهما أمام جحيم لا ينوي منفذوه وقفه أمرا يشبه المعجزة.. أو يفوقها.
الحرب غير المتكافئة
ولأنها حرب لامتكافئة بشكل مؤلم، استدعت فينا، نحن الذين نخوضها مع ضحاياها وأبطالها الفعليين بعواطفنا الفائرة واستيهاماتنا البطولية وإحباطاتنا الدفينة.. استدعت لاوعينا السحري الخرافي البعيد فطفقنا نطالب مجموعات صغيرة من الفدائيين بهزم الكيان وأمريكا وإنجلترا وألمانيا ومصر والسعودية والإمارات والأردن.. جميعا.. دفعة واحدة. مرة لأن الأمر وعد من الله جاء في الكتاب وليس على أهل غزة ونحن معهم إلا أن نستعد لنكون أداة تحقق البشارة، ومرة لأن حسابات الجيواستراتيجيا لدى بعضنا أعطته بعد الجمع والضرب والطرح نتيجة تقول باندحار حتمي قريب لأمريكا رأس الشر وبالتالي للكيان.
(آخر هلوسات هؤلاء المشعوذين ما تم تداوله من شبه وثيقة تتحدث عن ترتيبات أمريكية “سرية” لتسوية قادمة.)
طبعا البعض سيتأوّل هذا الحديث على أنه بث للإحباط وربما تخذيل لصف المقاومة، وأكتفي هنا بالقول أنني ما زلت أؤمن جدا أن فدائيي حماس يمثلون نموذجا تحرريا إنسانيا مثاليا بقطع النظر عن مآلات هذا النموذج في محيط عربي بائس رسميا وشعبيا ومحيط عالمي صممت الإمبريالية المجرمة اقتصاده وسياسته وثقافته.. وبشره.
تبا.
الأنظمة العربية الحاكمة بريئة
اقتنعت أن الأنظمة العربية الحاكمة بريئة تماما من أدنى مسؤولية عن تخلفنا وبؤسنا وهزائمنا وذلنا وتبعيتنا التي تبدو كلها بلا نهاية ولا يوجد مؤشر ولو ضئيل أنها قد تخف ولو قليلا فما بالك أن تزول.
خذ لك مثالا الانقلاب التونسي الرث الذي محا الديمقراطية الصغيرة بـ “لعبة وضحكة”.
هل كان سينجح لو لم يجد آلافا من الحمقى من كل الفئات الاجتماعية (من الأمي إلى الدكتور الجامعي) ومن كل عائلات “السياسة” يخرجون إلى الشوارع بكامل إرادتهم ويملأون التلفزات ليهتفوا كالمجانين “تسقط الديمقراطية ويحيى الانقلاب.. تسقط حقوق الإنسان وتحيى السجون ملأى بالديمقراطيين الملاعين”..!؟
هل كان سينجح لو لم يجد أدعياء ديمقراطية عمت عيونهم وصمّت آذانهم عن المخاطر المحدقة بالتجربة وهم منصرفون بكل صلف وانتهازية إلى معارك بينية صاخبة ومناورات صغيرة وحقيرة للمحافظة على وهم سلطة شغلتهم بها غرف الاستعمار عن خططها المكشوفة لأي متابع بسيط؟
هل كان سينجح…!!؟
طبعا لا.
وها أن إبادة لشعب عربي كامل بصدد الوقوع الآن بمشاركة ظاهرة أو خفية من كل الأنظمة العربية التابعة الذليلة، هل يمكن أن تغيّر هذه المأساة شيئا من وعي شعوبنا ونخبنا وتدفعهم إلى تجاوز انقساماتهم العبثية والتوافق حول مشروع نهوض تاريخي ديمقراطي جامع يخرجهم من حالة الانسحاق الذليل أمام استعمار عالمي مجرم واستبداد محلي مقيت يتعمدان إذلالهم ونهب مقدراتهم وإدامة تخلفهم؟
وتڤول…
اااه.. تبا.