سامي براهم
هدنة مؤقتة.. بمدلول العبارة تسمعه وتقرؤه عند البعض في علاقة باتفاق تحرير عدد من الرّهائن مقابل تحرير عدد من الأسرى في سجون الاحتلال في هدنة مؤقتة تعود بعدها آلة القتل والتّدمير…
لسان حال هؤلاء: هل نحرّر عددا من الأسرى مقابل قتل الآلاف من الأطفال والنساء والمسنين ودمار الآلاف من المباني ؟ تلك إذا بنظرهم قسمة ضيزى!!!
هي فعلا قسمة ضيزى لمن يتصوّر أنّ المعادلة هي أسرى مقابل أشلاء الأطفال… غير أنّ الأمر مختلف لمن له دراية ومتابعة واطلاع على مخطّطات دولة الاحتلال…
لا يخفى على الخبراء أنّ القضيّة الفلسطينيّة كانت مهيّأة لأن تقبر بشكل نهائيّ لا بفعل الحسم العسكريّ بل من خلال المراهنة على مشروعين استراتيجيّين يراد عبرهما تغيير وجه المنطقة ومعالمها وتعويم القضيّة نهائيّا…
المشروع الأوّل
داخلي جعل من الكيبوتس ليس مجرّد سياسة استيطانيّة داخلية بل مشروعا تسويقيّا عالميّا يستهدف كلّ يهود العالم بتقديم حوافز مغرية من أجل الهجرة وإعمار الكيبوتسات وكانت الضفّة وخاصّة غلاف الوجهات التي تعرضها الدّعاية… لذلك خضي غلاف غزّة بأعلى الشروط التكنولوجية واللوجستية والبشرية للحماية الأمنيّة…
الكيبوتسات مدخل لا فقط لفرض أمر واقع على الأرض بل لإحداث الفارق الدّيمغرافي النّوعي حتى يبقى السكّان الأصليّون أقليّة مثلهم مثل الهنود الحمر في أمريكا…
المشروع الثّاني
خارجي جعل من اتّفاقيّة إبراهام التي ترعاها الولايات المتحدة الأمريكيّة مدخلا لتغيير وجه المنطقة عبر تحالف استراتيجيّ يتجاوز السياسة التقليديّة للتّطبيع والاختراق إلى علاقة استراتيجية عضويّة طويلة المدى مع دول المنطقة عبر إرساء مشاريع ضخمة مشتركة في البنية التحتية والنقل والاستثمار والصناعة والفلاحة والتّجارة والسياحة ترسي علاقات مشتركة دائمة تأمن فيها أنظمة الاستبداد الشرقي على وجودها ومصالحها وتصبح فيها دولة الاحتلال شريكا عضويّا له التفوّق العسكريّ لامتلاكه السلاح النووي وشروط الوجود الدّائم في شرق أوسط جديد… وبذلك لن يكون هناك أيّ معنى لاحتلال ومقاومة وحقّ عودة… بل لن يكون هناك شعب فلسطينيّ إلّا في الفلكلور الشعبي والذّاكرة المرويّة…
السّابع من أكتوبر بكلّ ما انجرّ عنه من تضحيات أربك هذين المشروع الذين صاغتهما عقول دولة الاحتلال وعملت على إرسائهما في الواقع… يبقى السّؤال الملحّ هل أحدث الطوفان انهيارا كاملا للمشروعين أم هو مجرّد تصدّع ظرفيّ…
في كلّ الحالات هو جهد نوعيّ مدروس قابل للدّفع به نحو استعادة القضيّة الفلسطينيّة روحها ونفسها التحرّري من أجل تحرير الأرض من أبشع احتلال عرف.