“المقال – الفضيحة” للفيلسوف “الكوني” (؟) إدغار موران
عبد الحق الزمّوري
يُقَدَّمُ الفيلسوف المُعمّر إدغار موران “زعيما” لليسار الإنساني في العالم (بلا منازع)، وأبًا لنظرية التعقيد (ما بعد الحداثية)، المناصر دومًا لقضايا الإنسان العادلة، الملتحم بحركات التحرر، مخترقا التقوقعات العرقية والدينية والجنسية والاجتماعية … الخ.
وكنت أنا نفسي من بين أولئك الذين وجدوا فيه وعنده -منذ زمن بعيد- أدوات فكرية وحججا أخلاقية مساعدة على تفكيك أزمات الإنسان المعاصر، وعلى محاولة رسم مسالك مختلفة بديلة؛ متجاوِزًا علمي بيهوديته وبماركسيته وبمنزعه اللاديني (المخفف)… إلى أن كان يوم 17 أكتوبر المنصرم.
نشر موران في صحيفة Marianne الفرنسية (وفي صحيفة El Païs الإسبانية في نسختها الإنجليزية بنفس التاريخ) مقالَ رأيٍ حول معركة غزّة، تحت عنوان “إدغار موران: إسرائيل – فلسطين، أهوال وأخطاء”.
Edgar Morin : Israël-Palestine, horreurs et erreurs
Horrors and errors in the land of myths
قرأت المقال مرات ومرات، باللغتين الفرنسية والإنجليزية، باحثا عن الفيلسوف الإنساني الذي أعرف… فلم أجد. هل توقفَ هو عن أن يكون “هو”… أم أنني أنا من لم يكن يومًا “أنا”.
بلا مقدّمات، يجيب بحماسة عن سؤال (افتراضي) حاصر به الإعلام الغربي في الأسابيع الأولى للحرب كل المُستَجوَبين: هل تدين الهجوم الإرهابي الفلسطيني على الأبرياء والمدنيين في إسرائيل صباح السابع من أكتوبر؟
يقول موران منذ السطر الأول مجيبا عن تلك السردية – السؤال المفتَرَض: “إن المجازر المروّعة التي ارتُكبتْ في حق اليهود الإسرائيليين من قبل حماس يوم 7 أكتوبر قد أصابتني برعب عميق”.
بعد 10 أيام عن بداية الأحداث، يعجز عقل النقد – الجذري لموران عن ولوج السردية الإسرائيلية لما جرى، بل ويتبنّاها كأداة تحليل نهائية…!!
وحتى عندما يريد إعطاء تلك السردية قواعدها الحِجاجية، موردًا سياق الحرب، فإنه يؤكد بوضوح: “إن إدراج أحداث 7 أكتوبر الفظيعة في سياقها، وهو أمر ضروري لكل فهم، يضعها أولاً وقبل كل شيء في التاريخ الطويل للشعب الإسرائيلي، ضحية ألفية من عداء النزعة اليهودية المسيحية، تلتها نزعة العداء السامية العنصرية التي كانت تكره [ذلك الشعب] لحد الرغبة في إبادته، ما جعل الوطن الإسرائيلي مُحاطًا منذ فترة طويلة بعداء دول معادية”… فقط لا غير. ذاك هو السياق المبرر الوحيد – بحسب موران على طول فقرات مقاله – للمجازر التي ترتكبها إسرائيل (وإن كان يعبّر عن بعض فضاعتها بشكل ملطّف). لذا من الطبيعي أن يعتبر “حرب 1948 هي حرب استقلال إسرائيل”، وأن “إرهاب حماس قد حَجَبَ رُعب دولةٍ ردّت على المتعصّبين الفاقدين للرحمة بطريقة فظيعة”. (!!!).
هل نتحدث عن إدغار موران؟ صاحب كتاب “Réveillons-nous!” (2023)؟
وهل هو جادٌّ في دعوته التي ضمّنها الفقرة الأخيرة من مقاله:
Que nos esprits résistent au moins à la folie. Notre mission n’est pas seulement de rejeter la haine, mais aussi de faire tout ce qui est en notre pouvoir pour créer une base de compréhension mutuelle
لا أظن.