استباقية طوفان الأقصى وشراكة الإدارة الأمريكية المتصهينة

في جرائم الحرب والإبادة في غزة

زهير إسماعيل

زار الصحفي الأمريكي توماس فريدمان دولة الكيان هذه الأيّام. وفي مقال له بنيويورك تايمز يوم أمس عرض فيه خلاصات ما لاحظه، ومنها «أنّ لدى إسرائيل أسوأ زعيم في تاريخها وربما أسوأ زعيم في التاريخ اليهودي كلّه».

وفي سياق واجب النصح لدولة الكيان وساستها قال: «كلما أسرعت إسرائيل باستبدال ناتنياهو وحلفائه من اليمين المتطرّف في حكومة وحدة وطنية كانت الفرصة أمامها للتماسك في مواجهة ما سيكون أمامها من حرب جهنمية».

توماس فريدمان

لا جدال في أنّه لا يمكن أن يرى في نتنياهو مجرم حرب ونازيا جديدا، أمام ما يعاينه العالم من قتل وإبادة في غزة، وإنما هو في أسوأ الحالات “الزعيم الأسوأ” في تاريخ الكيان والتاريخ اليهودي.

موقف توماس فريدمان من ناتنياهو معروف، وهو على حدته لا يخرج عن مبادئ كبرى وسياسات تحكم علاقة الولايات المتحدة والكيان. فالأمر يتعلق بـ “خلاف داخلي”. وفي هذا المعنى كانت معاداة توماس فريدمان لسياسات دونالد ترامب.

في مقابلة مع قناة الجزيرة في أوت 2023 قال توماس فريدمان عن التعديل القضائي الذي أحدثه نتنياهو: إن إسرائيل مهددة بالانهيار ما لم يكن تدخل من الرئيس بايدن».

ودليله أن «تحالف اليمين المتطرف الذي شكله ناتنياهو له هدفان هدّامان: أولهما إضعاف النظام القضائي وقدرته على مراقبة الحكومة، وثانيهما تفكيك مشروع أوسلو والتمهيد لضمّ إسرائيل المباشر للضفة الغربية».

وفي سياق حديثه عن معارضة الرئيس جو بايدن لتوجه ناتنياهو وهدفيه المعلنين أشار إلى أن أي رئيس أمريكي لا يمكنه أن يؤثر إلا بقدر محدود حين يتعلق الأمر بالتعامل مع وضع داخلي إسرائيلي من خلال القضائي والتنفيذي، وفي المستوى الاستراتيجي وتحديدا ما يتعلق بالقيم المشتركة، فعل بايدن كل ما يستطيع».

واعتبر أنّ ناتنياهو قوّض أساسا من أسس إسرائيل وهو حتمية التعايش في مجتمع متنوع ويعرف انقسامات خطيرة، ولكن ناتنياهو أراد أن يحكم وحده بالمتطرفين هروبا مما يلاحقه من قضايا فساد كبيرة. وهذا يمكن أن يؤدي إلى انهيار إسرائيل».

وناتنياهو في تقديره «أكبر رهينة في الشرق الأوسط. ونتنياهو يرهن نفسه بالتحالف مع اليمين المتطرف المتصهين لتفادي المحاكمة. وهو يتوهم أنّه يتصدر قيادة إسرائيل وهو في حقيقة الأمر يقبع في المقعد الخلفي، لأنه واقع تحت تهديد اليمين المتطرف بإسقاط الحكومة إذا لم يستجب لمخططهم».

ويرى أن «حل الدولتين في الإنعاش والعناية المركزة. وحكومة نتنياهو لا يمكن أن تكون شريكا في حل الدولتين. مما دفع بالإدارة الأمريكية باتجاه التطبيع مع السعودية عسى أن تتوفر شروط أفضل لتفعيل حلّ الدولتين».

خطورة حكومة نتنياهو على بنية الدولة في إسرائيل «في أنّها أسست مبادئ جديدة في الحوكمة تؤسس لحكم ديكتاتوري كما هو موجود في بعض دول أفريقيا، “هذا ليس وقتكم لمشاركتنا الطعام، لا أحد سيأكل”. فقد خرج كليا عن مفهوم التعايش في مجتمع يعرف انقساما عميقا».

من خلال هذه المواقف القديم منها والمستجد نفهم:

تقدير المقاومة الدقيق لاتجاهات سياسات الاحتلال نحو ضم الضفة وشطب غزة. وعلى أساسه كان طوفان الأقصى ضربة استباقية واستراتيجية في الآن نفسه. ولا يمكن أن تقرأ إلا على أنها عامل تفعيل خطير لتطور الانقسام العميق داخل الكيان إلى مسار تفكك فعلي. وهذا ما تشهد عليه عملية 7 أكتوبر.

حقيقة موقف الرئيس بايدن وفريقه الذي يبدو مختطفا من قبل ناتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة. ويظهر هذا في هبة بايدن لنجدة ناتنياهو بالجمع بين تبني توجه ناتنياهو كاملا وقد كان يعارضه، وتحمل التغطية على حماقاته المهددة للكيان ومشاركته جرائمه. فالولايات المتحدة غير مستعدة استراتيجيا لرؤية المنطقة دون الكيان، لذلك هي تتورط مع ناتنياهو بتبنيها كل الجرائم التي يرتكب في غزة والضفة والقدس حين رأت في طوفان الأقصى كل عوامل انهيار الكيان. وهذا هو جوهر السياسة الأمريكية في “الشرق الأوسط” فكل ثوابتها متغيرات إلا الكيان ومستقبله.

وفي كل الأحوال ليس ما تورطت فيه الولايات المتحدة في غزة “انزلاقا طارئا” بقدر ما هو سياسة ثابتة تشهد عليها حروبها الظالمة في العالم ورعايتها للكيان الغاصب في فلسطين منذ 1966 وجرائمها في العراق وأفغانستان. إلا أنّ تورطها في الحرب على غزة التي انتهت إلى تزكيتها الحرب على المستشفيات يعرّي كل محاولات التذرّع بمرجعية الشرعية الدولية والمواثيق الأممية، وينسف كل علاقة لها وللغرب عامة بتراثه في قيم التعايش والتمدّن والاختلاف وحقوق الإنسان ويجعل من الولايات المتحدة راعية للتوحّش والنازية الجديدة.

كل ذلك يغري باستعادة جادّة لاستعارة الفيلسوف الفرنسي روجيه غارودي الذي انتبه باكرا إلى أنّ الغرب مثّل “حادث سير” (l’Occident est un accident) في مسار الحضارة الإنسانية وأنّه تفصيل صغير فيها، تكلم باسمها في مرحلة ثمّ أوهم أنّه هو الإنسانية.

غارودي الذي دقق في “المسألة الإسرائيلية” وكتب في “الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية” حذّر من الأصولية الصهيونية، في تكلمها باسم التراث اليهودي ثم حلولها محله.

وهي اليوم تهيمن على الغرب ذاته وتجرّ كل تراثه لتجعل من ساسة الغرب وقسما من نخبه جزءا من “السردية الصهيونية” العنصرية ومنفّذين لعبثها بكلّ المشترك الإنساني ومنخرطين في نازيتها الجديدة.

Exit mobile version