التفاؤل والتشاؤم… غزة وميزان القيم الأخلاقية
عبد الرزاق الحاج مسعود
المتفائلون يصرّون على التبشير بانتصار حتمي لمقاومي غزة الأبطال ويدعون الجميع إلى التفاؤل حتى لا يبثوا اليأس في صفوف أنصار المقاومة بل ويشنّعون على من يجرؤ على التشكيك في حتمية النصر لأنه وعد إلهي لا يجوز الشك فيه.
والمتشائمون يتهمون المتفائلين ببث الوهم وتخدير الناس وإنكار حقائق الميدان الصلبة وموازين القوى المختلة جدا بين مجموعة بشرية محاصرة من كل الجهات مهددة بالمجاعة وتحالف عالمي يضم قوى عسكرية عظمى.
رأيي أن ما يحدث في غزة لم يكن بالإمكان تجنبه. التعلل بموازين القوى في حروب التحرير هراء. مطالبة شعب محتل ومحاصر ومهان بالخضوع والاستسلام دناءة ووضاعة. بل أخلاقيا ليس من حق المظلوم أن يستسلم ويتنازل عن حقه حتى إن كان متأكدا أنه سيموت إن هو ثار من أجل حقه. لماذا ؟.. لأن ميزان القيم الأخلاقية كله سينهار حين يصبح من حق المظلوم التنازل للظالم عن حقه بطيب خاطر. أو بالأحرى بنذالة خاطر.
ما فعلته المقاومة يوم 7 أكتوبر هو عمل/واجب أخلاقي مثالي وبسيط جدا. لم يكن من حقها أن تتردد لحظة في فداء الأرض/القيمة، وفي العمل على تحرير آلاف الأسرى في سجون العدو، وفيهم من أمضوا عقودا في ذل السجن، حتى إن كانت شبه متأكدة من رداءة السياق العربي الشعبي والرسمي ومن توحش العدو إلى حد لا فقط تنازله عن أسراه بل إلى حد تعمده قتلهم حتى يحرم المقاومة من أهم ورقة تفاوض.
المقاومة تعرف أن محيطها العربي، أساسا مصر والسعودية والإمارات، قطع أشواطا بعيدة في صفقة الخيانة والتطبيع مع العدو والقبر النهائي للحق الفلسطيني، وأن محو غزة كان على أجندة العدو وهذا الحلف العربي المجرم، لذلك لم يكن أمامها إلا أن تبادر.
فمن العبث أن تطالَب مقاومة محاصرة بالتحكم في كل سيناريوات حرب أفسدت حسابات قوى عالمية واقليمية كثيرة وهددت جديا وجود كيان صنعته جريمة تاريخية يجب أن تصحَّح.
مرة أخرى.. المقاومة في غزة مانيفيستو أخلاقي جديد ونوعي لتحرير العالم. أكبر كثيرا من التفاؤل والتشاؤم.