التاريخ يُخلّد الانتصارات… والأخلاق أيضا !
حمادي الرحماني
🇹🇳🇹🇳🇹🇳
في مثل هذا اليوم قبل 26 عاما اقتلعت انتصاري الرياضي “الشخصي” الباهر (ولا فخر) على بطل العالم الأسبق في الشطرنج، الروسي “أناتولي كاربوف” يوم 6 نوفمبر 1997 بنزل “أبو نواس (الشيراتون)” بشارع محمد الخامس بتونس… ولو كان ذلك في مقابلة ودية استعراضية بصيغة Simultanée… ولو لم يكن ذلك عنوانا لبطولة كبيرة… لكن الفوز على بطل العالم في رياضة فكرية هي بمثابة العلم الصحيح الذي لا يكاد يعترف بالمفاجآت ليس أمرا متاحا ولو لأقوى اللاعبين، وليس حدثا عابرا أو ذكرى تُنسى ولو للأبطال والراسخين في الشطرنج…
ما بقي في ذهني من ذلك الحدث – الذي لم يكد يلتفت إليه الإعلام والصحافة في ذلك الوقت إلا القليل قدر اهتمامهم بتصوير وطء أقدام بطل العالم السابق أرض تونس للدعاية للنظام الاستبدادي – فضلا عن مذاق الفوز – المعجزة والاعتزاز بالأداء الجيد والنصر النوعي هو الروح الرياضية العالية التي تحلّى بها بطل العالم لسنوات طويلة حال الخسارة ومصافحة الاحترام وابتسامة المجاملة والأدب ونظرات “الإعجاب” والثناء على الخصم رغم الضيق البادي والغضب المكتوم بالداخل… ولا تزال ترن في أذني كلمات الأستاذ الدولي الكبير ومدرب المنتخب الوطني للشطرنج آنذاك التشيكي “بلاشيتكا” الخارج بدوره للتو من هزيمة رسمية مُذلة معي – وهو العارف جيدا بشخصية بطل العالم – في ما معناه بأن “كاربوف” على هدوئه وبرودة دمه يحبس بين جنبيه ثورة بركان كمدا وغيظا… لكنه الأدب والروح الرياضية وأخلاق الكبار!
هذا تصرف بطل العالم وأحد أقوى أبطال العالم في تاريخ الشطرنج حين ينهزم مع أحد النكرات من بلاد نكرة…لم يفقد أعصابه ولا أخلاقه ولم يرد الفعل على خصمه ولم يسرق منه انتصاره ولم يلفق له “التهم” ولا “القضايا”…
من سواه ممن هم حديثو العهد بـ “الميدان” و”الرقعة”، وممن افتعلوا الخصومة وبدؤوا بالعدوان على قضاة سبقوهم في معارك إصلاح القضاء وقضوا فيه عمرا، كانوا De mauvais perdants وخانتهم “الروح الرياضية” فأنكروا الحقائق الناصعة وداسوا الأحكام العادلة وانقلبوا على أعقابهم مرعدين ومزبدين كأنهم مظلومون وفي رقابهم شخصيا 49 مظلمة لا أحد يعلم كلفة أوزارها…
طبعا لا مقارنة بين معارك الذكاء وهجمات الشعبوية… ولا مقارنة بين سياقات العقل وزمن الجنون…
لكن لا بأس… لا دوام لحال مؤقت… ولا يغُرن الناس تقلّب “الملوك” في البلاد… متاع قليل… فمعارك “الرقعة” كمقابلات الشطرنج لا تنتهي حقا إلا بـ “كش مات” للملك أو الاستسلام… أما “كش مات” الملك بانقضاء عدله الذي انقضى… وأما استسلام جنود الكلمة والحق فلا استسلام!
- ورقة المباراة ومجرياتها تحمل إمضاء كاربوف على الهزيمة.
- نشر أطوار المقابلة في إحدى أكبر مجلات الشطرنج التي تصدر بفرنسا Europe Echecs جانفي 1998.
- إحدى المقالات القليلة التي تناولت الحدث.